خطط هو وزوجته أن يذهبا الی زيارة الإمام الحسين (ع) يوم الخميس القادم،  كانت السيارات “المرجع” تنطلق من الكاظمية، من كراج السيد محمد بعد أذان الظهر، ركبا المنشأة القاصدة كربلاء،  وكانت مليئة بالركاب تقريبا…
دقائق واكتمل العدد،  شغّل السائق السيارة  ولكنها لم تعمل!
بقي يحاول حتی  نجح، وما إن قادها  تحركت حركةً سريعة وارتفعت فوق الرصيف!!
صاح الركاب”ياساتر …اسم  الله.. دير بالك
ثم شغلها ومضوا مع الصلوات والفاتحة المهداة إلی أمِّ البنين..
قال الرجل لزوجته: إن شاء الله  أقل من ساعتين ونوصل
أجابته: التسهيل من الله
سارت المركبة بهدوء، استخرج السائق شريطا( كاسيت) شغّل لهم  قصائد حسينية..
سرح الركاب مع القصائد والدموع، وارتفعت الأيادي بترتيب وتوالٍ، وبين ارتفاع وانخفاض؛ بحارٌ صامتة من الألم والأمل!!
وعند  كل سيطرة ينادي السائق: افتحوا الپرده
ويُخمد صوت المسجل!  و
فيستجوبه الانضباط بسرعة: امين جاين؟ گرايب لو عبرية؟ وين رايحين؟
وهكذا…
وصلوا سيطرة الدورة فأوقفوهم، صعد أحد الجنود بوجهٍ عابس والشر يتطاير من عينيه!!
قال: وين مولين؟
ـ لكربلاء
صعد بعدها رجل مدني، يبدو أنه ضابط؛لأن الجندي ناداه بسيدي!
أعاد السؤال: وين رايحين؟
ـ الی كربلاء
ـ امين جايين؟
من الكاظمية
فانطلق الضابط مهاجما: هتلية، همج، مولين لكربلاء.. ولوا..ليش تلطمون؟ الی متی اتظلون بهاي العقلية؟
ما تستحون؟  ما تنتخون؟ … تونا طالعين من هوسة!
قشامر… منو چان يقرالكم؟
أجاب السائق: سيدي، هذا كاسيت والله
الضابط: ومكيف تحچي طايح الحظ
متخلفين، السيد العام  رايح لكربلاء وشافكم تلطمون!!
اليوم.. الا نلعن والديكم!
ثم قال للجندي، سجل اسماءهم وعناونيهم!
سجل الجندي الأسماء والألقاب، وصل الی الرجل وزوجته، دوّن اسمه، وكان الضابط يسمع، فقال: شنو؟؟ شنو لقبك؟
قال الرجل: عبيدة
صرخ الضابط به:  يول ارفع صوتك… عبيدة لو عبيدي؟
ـ  الرجل: لا لا.. عبيدة
أكملوا تسجيل الأسماء، ثم أنزلوا الجميع للتفتيش، عزلوا الشباب عن العوائل، وصعدوا لتفتيش السيارة،
وللأسف وجدوا فيها المحظور!
وجدوا كتابين: ضياء الصالحين وكتاب: مفاتيح الجنان
ومعها  مجموعة أشرطة كاسيت حسينية تعود للسائق!!!
نزل الجندي وسلمها للضابط
فنادی الضابط: الكتب مالمن؟
أجابه ثلاثة شباب: النا سيدي
فقال الضابط: تعالوا قشامر، طايحين الحظ!
واجتمع الجنود عليهم، أشبعوهم ضربا حتی سالت  الدماء من وجوههم!!
ثم استلموا السائق ضربا وركلا  واعتقلوهم!
أما العوائل فبقيت واقفة وتراقب، والتهديد والوعيد  والترهيب  مازال مستمرا !!
ثم عاد الجنود لتدوين المعلومات مرة أخری، يسألون العوائل إذا كانوا ذاهبين للزيارة فقط أم لهم أقارب في كربلاء؟!
يسجلون ويقولون: ياويله اليچذب!
ومرت ساعات والعوائل واقفة، تفكر في مصيرها!
تُری من يكون السيد العام الذي يخوّفونهم به؟
قال لهم الضابط: انتو تبقون هين لحد ما يرجع السيد العام ويقرر!! وانتو وحظكم بعد
خل يفيدكم اللطم دماغ سزية!!
مضت الساعات بثقلٍ شديدٍ، خوف  وأفكار عاصفة!!
تاهت الكلمات الحبيسة، ضلت طريق الدعاء!!
كل شيء مظلم من حولهم!
هناك عجوز أرهقها الانتظار والجوع، وفات موعد دوائها!!
هناك أطفال لايفقهون مايحدث!!
يريدون طعاما وشرابا!!
خرجوا من الساعة 12 ظهرا  والوقت الآن 9 مساءً!
تری ماذا فعلوا؟
ما ذنبهم؟
مازالوا ينتظرون، ومازال التهديد والترهيب يعذبهم!
يا أبا عبد الله، نوينا زيارتك فقط!
لم نعتد علی أحد، ولم نتعرض لأمن الدولة!
أقوالهم كانت حبيسةً مع دموعهم، ثمة صور تمر سريعا أمام عيونهم.. صور بيوتهم و وجوه ذويهم!
هل سيرونها؟
أكثر مخاوفهم كانت علی النساء!
ماذا لو اعتقلوا نساءنا وبناتنا وأطفالنا؟
قال الرجل لزوجته: هم نرجع بعد؟
صمتت لحظات.. ثم قالت كم الساعة؟
ـ الساعة 11
هناك.. صرخ الضابط: احمدوا الله.. عفا عنكم السيد العام
يله روحوا واذا نريدكم نستدعيكم.. ودير بالكم تلطمون بعد! بطلوا تخلف!!
أخذ الرجل زوجته وعبرا الشارع بسرعة، وهما يشعران أن صوت الضابط يلاحقهم!!
استأجرا سيارة” تكسي”  وعادا  الی البيت كالعـــاااائد من الموت!
قالها الرجل  مدونا شهادته للأجيال:
ذلك اليوم كان في عام 1994.. كان أطول يوم في حياتي!!

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *