رسالتان ملتاعتان ، بعثهما من سرير العافية الفنان الكبير فاروق ، واحدة الى المايسترو علاء مجيد، والثانية الى الزميل العزيز كرم نعمة ، بث فيهما خلجات نفسه ، معترفا بما جادا به من مواقف في محنته الصحية التي داهمته فجأة .. وقد اطلعت على فحوى الرسالتين ، ففي رسالته المكتوبة ، قال بسطور ملآى بالحزن مخاطبا تلميذه المايستروعلاء مجيد الذي تكفل برعايته بالقول “سأذكر علاء في الحياة الأخرى كأروع نموذج مر بحياتي” ، والثانية رسالة صوتية وجهها الى زميلنا العزيز الكاتب كرم نعمة بمقر اقامته بلندن ، ذاكرا فيها دور الزميل كرم في تأصيل الثقافة اللحنية ، والذائقة الموسيقية من خلال كتاباته ومتابعاته للمحيط الغنائي العراقي بموضوعية وحس نقدي شاسع المدى ..
الرسالتان عبرتا عن اعتزاز الفنان فاروق هلال بمواقف المايسترو علاء مجيد ، والكاتب كرم نعمة ، لكني وجدتُ بين ثنايا سطورهما عتابا الى المسؤولين عن واحة الثقافة والفنون في العراق ، حيث اصبحت هذه الواحة المعطاء بعيدة عن الاهتمام ، وبات المثقفون والفنانون والاعلاميون خارج التغطية !
بدأت معرفتي بالمبدع فاروق هلال منذ منتصف ستينيات القرن المنصرم ، حين اصدر مدير عام الاذاعة والتلفزيون في وقتها العميد خالد رشيد الشيخلي ، قرارا بعدم بث اغاني فاروق هلال ، بسبب وشاية تقول ان فاروقا من ناشطي الحزب الشيوعي ، وهو سبب يدعو الى الغرابة ، كما اكد لي ذلك شقيق له ، واظن ان اسمه ” عباس ” يعمل في اذاعة القوات المسلحة ، فسارعت الى كتابة عمود ، في الصفحة الفنية التي كنت اشرف عليها بجريدة ” العرب ” دعوت فيه ، الى الغاء قرار حجب اغاني فاروق هلال ، وفعلا تم الالغاء ، وعاد الصوت الرخيم الى الاثير .. وقد زارني الفنان فاروق هلال الى الجريدة شاكرا ، وقدم لي رقم هاتف المدرسة الابتدائية التي كان يعمل فيها ، ربما اسمها ” ابن الجوزي” كانت قرب ساحة النهضة ببغداد ..
ان المحنة الصحية التي يعيش فيها المبدع فاروق هلال ، تتطلب وقفة رسمية ، فليس من المنطق ، ان نجعل من فنان رائد ، يواجه محنة المرض لوحده ، فليس له من معين سوى الرب الكريم ، وتلميذه المايسترو الصديق علاء مجيد .. وعلى من يعنيهم الامر ان يتذكروا عطاءات هذا الفنان الكبير، وسيرته الفنية ، ويتركوا الضغائن .. فما قدمه في سفر الحياة الفنية في العراق، كبير وكبير جدا ، ولن ننسى تضحيات اسرته التي اصر فاروق على انتاج فلم غنائي من بطولته اسمه ( درب الحب ) عام 1962 حيث خسر الفلم ” تحويشة ” عمر العائلة ، وايضا دوره المهم في تقديم الاصوات الأصوات الشابة التي تبوأت لاحقا المشهد الغنائي العراقي والعربي ، وما زلنا نستمع الى صوته الرقراق ، العذب وهو يشدو اغنيته الشهيرة ( عالبال ) اضافة الى عشرات الالحان التي لازال صداها في أذان المستمعين وغير ذلك الكثير ..
لأخي فاروق اقول لا تنظر الى الأوراق التي تغير لونها ، وبهتت حروفها ، وتاهت سطورها بين الألم والوحشة ، فأكيد سنكتشف في قادم الايام أن تلك الاوراق ليست اخر ما سطرنا عليها ، وعند ذاك ، ينبغي أن نفرق بين من وضع سطورنا في عينيه ، ومن القى بها للرياح !
اعرف ان قلبك لا يستحق كل هذا الحزن، فابتسم ، ارجوك ، ولا تحزن حين تحيطك الهموم، وتضيق بك الدنيا بما رحبت، فربما أحب الله أن يسمع صوتك وأنت تدعوه..
[email protected]