-1-

نحن في فوضى عجيبة اختلط فيها الحابل بالنابل – كما يقولون –فقد ينبري البعض الى إطلاق ألسنتهم بمديح لا يُبقي مكرمة من المكارم الاّ وساقها الى الممدوح .

وقد يكون هذا المديح زائفاً صادراً بدافع الطمع في مكافأة مُرضية .

-2-

وقد يصدر المدح مستنداً الى معايشة وعن حِسٍ وتجربةٍ فيكون قابلاً للتصديق.

اسمع ما قاله احد الشعراء في ممدوحه :

اذا نحن أثنينا عليكَ بصالحٍ

فأنتَ كما نُثني وفوق الذي نُثني

فالثناء هنا ليس جزافيا ولم يكن دافعه الطمع وكان عن تجربة ومعايشة.

-3-

وجاءت نصيحة أحد الشعراء جميلةً حين قال :

لا تمدحَنَّ امرءاً حتى تُجرّبَهُ

ولا تذمنَّهُ مِنْ غيرِ تَجْرِيبِ

وهكذا تبرز أهمية الشهادة الحسية .

-4-

وهناك الشحيح الذي يصعب عليه أنْ يمدح أحداً حتى لو كان في ذروة الاستقامة والطيبة والسلامة .

-5-

أما القَدْحُ فما أَكْثَرَهُ وما اقبحَ أساليبه واشكاله .

انّ هناك مَنْ يستسيغ الطعن بكَ لا لشيء الاّ لأنك لم تُوافِقْهُ على خطأٍ أصرَّ عليه وتبناه، ولا يتحرج عن الذم لاتفه الاسباب .

-6-

وقد يُمارسُ القَدح مَنْ يَعُدُّ نفسَه مِنَ الكِبار ، ويمارسه بحق مَنْ شاع مدحه والثناء عليه ( فالخوارزمي ) – ابو بكر محمد بن العباس – مثلاً قدح في (الصاحب بن عبّاد ) الذي قيل عنه انه مُدح بمائة الف قصيدة فماذا قال ؟

لا تحمدنَّ ابنَ عبّادٍ وإنْ هَطَلَتْ

كفاهُ بالجودِ حتى أخجلَ الدِيَما

فانّها خطراتٌ مِنْ وَساوِسِهِ

يُعطي ويمنعُ لا بُخلاً ولا كَرَما

فمع اعترافه بجود الصاحب بن عبّاد وعطاياه الغزيرة الاّ انه جعل تلك العطايا بسبب وساوس يعيشها الصاحب وليست بسبب السخاء والكرم..!!

ومن الواضح ان هذا القدح كان منشؤه الخيبة من الحصول على ما أراده لنفسه من الصاحب ،

ولا يعبأ بمثل هذا القدح بل يُمنى صاحبه بالنقد الشديد .

-7-

ولا تَنْسَ قول من قال :

( وما زالت الأشرافُ تُهجى وتمدحٌ )

نسأله تعالى أنْ يطهر قلوبنا وألسنتنا من كل ما يشينها وأنْ يتولانا بلطفه وكرمه انه الهادي الى الصواب والمعين على الاستقامة وهو أرحم الراحمين .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *