تبدو الازمة قد وصلت الى حد الاختناق في إقليم كردستان العراق، ساعة وصول سفيري الولايات المتحدة وإيران تباعاً، واجتماعهما مع القيادة الكردية، فيما كان هناك زعيم لحزب كردي اخر يتفاوض في طهران.
لا يمكن وصف الوضع بسوى انه غير طبيعي تماماً، وانّ علامات الانفراج التي كانت كبيرة في الشعارات السياسية مع تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ماهي إلا أمنيات مؤجلة، بل انّها تؤكد انّ هناك مَن وعد بما لا يملك، وانّ المالكين الحقيقيين لمفاتيح الحلول في البلد الواقف على كف عفريت انّما هما دولتان، يضاف اليهما “دولة ثالثة” تفيد من نتائج ما يحدث في البلاد، لاسيما في الملف النفطي.
السؤال، هو اذا كان السفيران المتنفذان يتباحثان في قضايا عراقية في الصميم في أربيل من دون ان تكون هناك نتائج يرجوها إقليم كردستان او الحكومة الاتحادية، فذلك يعني انّ شركاء الوطن، كما يصفون انفسهم منذ عشرين عاما، بدأوا يفيقون من سكرة اللعبة السياسية، وقد انتكست وعادت الى مربعات البداية الغامضة وربما المجهولة، وانَّ ما كان مبنياً بعلو شاهق، انما هو تشكيلات رملية، و ظرفية لأحداث عابرة.
أما الجوهري فهو أنّ نقطة الصراع الأساسية قائمة وليس لها حسم او نهاية، مهما قالوا وصرحوا بل مهما ضحكوا على انفسهم وعلى الشعب، وهي مجسدة في ملف الثروة النفطية وسواها من الثروات، وملف كركوك ، الذي لم يتنازل إقليم كردستان عنه لاسيما بعد إقرار البنود الثلاثة في المادة الأربعين بعد المائة من الدستور، وسبق ان كانت قضية كركوك العقدة الصامتة بين الحركة الكردية وجميع الأنظمة العراقية السابقة، حتى ولو نظريا في الادبيات الكردية ، بما فيها اقوى تلك الانظمة أيام حكم البعث، حين وجد طارق عزيز رئيس هيئة التفاوض مع الكرد خصمه العنيد جلال طالباني يصف مكانة كركوك بمثل مكانة القدس لدى العرب ، فقال عزيز له ، لتكن محتلة اذن كحال القدس المحتلة. لكن الزمن تغير، ولم يولد في بغداد حكم مستقر له هوية وطنية نابذة للطائفيات والتشرذم بعد النظام السابق، لذلك سيكون من المستحيل ان يتنازل الكرد عن تطبيق المادة التي يرون فيها حفظا لحقوقهم، وستبقى الملفات المتصلة بها معلقة أو متضعضعة تخرقها اية ريح هابة. لتكن هناك مصارحة بعيداً عن منطق القوة تستند لحقائق تاريخية بشأن قضية كركوك.
حملُ السفيرين ملفات العراق المصيرية تحت ابطيهما، يعني انّ عناوين المناصب والسيادة والتاريخ العراقي المكتوب مع كل ساعة تمر، انما هي سيان، اذا كانت موجودة أو مفقودة.
للمرة الثانية اختم مقالي خلال أسبوعين بالقول انّ الزمن القليل المقبل من عمر العراق سيكون صعبا وبحاجة لقرارات مصيرية، وانّ المؤهلين لاتخاذها لم يظهروا في الأفق حتى اللحظة