الاعصار‭ ‬“دانيال”‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬ليبيا،‭ ‬وأعقبته‭ ‬امطار‭ ‬غزيرة‭ ‬مع‭ ‬انهيار‭ ‬سدين‭ ‬للمياه‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درنة،‭ ‬كان‭ ‬عنواناً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬الكوارث‭ ‬الدولية،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬ينل‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬في‭ ‬اليومين‭ ‬الأول‭ ‬والثاني،‭ ‬وبعدها‭ ‬تدخلت‭ ‬دول‭ ‬قليلة‭ ‬جدا‭ ‬مع‭ ‬مساعدة‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬والمأساة‭ ‬مستمرة‭.‬

‭ ‬لنتخيل‭ ‬لو‭ ‬انّ‭ ‬حياً‭ ‬سكنياً‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬أو‭ ‬باريس‭ ‬أو‭ ‬لندن‭ ‬أو‭ ‬انّ‭ ‬حياً‭ ‬فيه‭ ‬سفارات‭ ‬العمالقة‭ ‬في‭ ‬عواصم‭ ‬عربية،‭ ‬اختفى‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬وجرفته‭ ‬تيارات‭ ‬الفيضانات‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة‭ ‬والقت‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬بكل‭ ‬سكانه‭ ‬وبيوته‭ ‬وتجهيزاته،‭ ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬العالم؟

في‭ ‬ليبيا،‭ ‬اختفى‭ ‬في‭ ‬دقائق‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬انسان،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لهم‭ ‬وجود،‭ ‬ولو‭ ‬كانوا‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض‭ ‬لوجدوا‭ ‬جثثهم،‭ ‬ولكنهم‭ ‬انجرفوا‭ ‬نحو‭ ‬البحر‭ ‬والتلاشي‭.‬

كارثة‭ ‬ليبيا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬حيزاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬العالم،‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬نتائج‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬المتشرذم‭ ‬والموالي‭ ‬لهذه‭ ‬الدولة‭ ‬او‭ ‬سواها،‭ ‬بما‭ ‬جعل‭ ‬النظر‭ ‬الى‭ ‬ليبيا‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬بقعة‭ ‬ظلامية،‭ ‬ومتفجرة‭ ‬بالحروب‭ ‬والمشاكل‭ ‬وانّ‭ ‬كارثة‭ ‬طبيعية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬الصورة‭ ‬عنها‭ ‬الى‭ ‬اطار‭ ‬أفضل،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬انقاذ‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬الف‭ ‬مشرد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬سكانها‭ ‬مائة‭ ‬الف‭ ‬،‭ ‬قتلت‭ ‬الفيضانات‭ ‬عشرة‭ ‬الاف‭ ‬ورمت‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬وفي‭ ‬المجهول‭ ‬عشرة‭ ‬الاف‭ ‬،‭ ‬فكم‭ ‬بقي‭ ‬منها؟‭ ‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬انّ‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ليس‭ ‬بأفضل‭ ‬حال،‭ ‬ورأينا‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭ ‬قليلة‭ ‬كيف‭ ‬باتت‭ ‬كارثة‭ ‬الزلزال‭ ‬المدمر‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬كارثتين‭ ‬بسبب‭ ‬وقوع‭ ‬الضربة‭ ‬بين‭ ‬مناطق‭ ‬للنظام‭ ‬والمعارضة،‭ ‬وما‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬نظرة‭ ‬متمايزة‭ ‬الى‭ ‬الواقع‭ ‬العملي‭ ‬للجانبين،‭ ‬كما‭ ‬انّ‭ ‬المساعدات‭ ‬الدولية‭ ‬كانت‭ ‬تواجه‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬الداخلية،‭ ‬منذ‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭.‬

لقد‭ ‬انفق‭ ‬العرب‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الهدر‭ ‬واللعب‭ ‬بالنار‭ ‬وبمصائر‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬انساقوا‭ ‬لها‭ ‬بإرادتهم‭ ‬او‭ ‬بوصفهم‭ ‬وكلاء‭ ‬وعملاء‭ ‬لدول‭ ‬أخرى،‭ ‬حتى‭ ‬آلت‭ ‬الأحوال‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬تجمعت‭ ‬المصائب‭ ‬الطبيعية‭ ‬والبشرية‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الناس،‭ ‬وبقي‭ ‬تجار‭ ‬الحروب‭ ‬والرافلون‭ ‬في‭ ‬نعيم‭ ‬السلطات‭ ‬والمعاندون‭ ‬لحرية‭ ‬الشعوب،‭ ‬متفرجين‭ ‬سُذّجاً‭ ‬على‭ ‬دكة‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬يشفق‭ ‬عليهم‭ ‬العالم‭ ‬ويعيد‭ ‬تسويقهم،‭ ‬وليس‭ ‬ينظر‭ ‬على‭ ‬شعوبهم‭ ‬المنكوبة

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *