عشتُ وجدانياً مع شاعرنا الكبير المرحوم محمد مهدي الجواهري مدة طويلة، قارئاً ومستمعاً ومقرباً، إذ كنتُ طوال الفترة التي قضاها في العراق بعد غربته الأولى عنه، وتحديداً بداية سبعينيات القرن المنصرم، حتى مغادرته الوطن الذي أحبَّ وسكنت فيه مشاعره وأحاسيسه، ملازماً له في حلّه وترحاله، وربما يعرف زملائي أنَّ تلك العلاقة (مع فارق السن) أتت نتيجة الصداقة الرائعة والحميمة التي ربطتني بنجله الأكبر (فرات).
وقد نشرتُ قسماً من ذكرياتي مع الجواهري معززاً بالصور الخاصَّة التي تجمعني بالجواهريين الأب والابن في صفحة (شخوص في حياتي) في الزميلة جريدة (المشرق) الغراء في عددها 36 الصادر في 17 / 1 / 2004.. وتأسيساً على ذلك، أقول إنني ما زلتُ في حيرة بشأن قصيدة (التتويج) التي نوقظها في عمود اليوم.. ومبعث حيرتي أنَّ الجواهري كان يعلن بمناسبة وبغير مناسبة أمام سامعيه وبحضوري، كرهه الشديد لهذه القصيدة، وقد ثبّت لاحقاً ندمه على نظمها في كتبه ومذكراته وفي أحاديثه الصحفيَّة والإذاعيَّة، وأيضاً في مناسباتٍ عامَّة عديدة. لكنَّه للأمانة (وهذا سبب حيرتي) كان يردّدُ أمامي وأمام نجله فرات (أبو بان الرائع) طيب الله ثراه، أنَّ قصيدة (التتويج) محببة إليه، وأنَّه يحبها كثيراً ويعتز بها.. وكان يعيد مقاطعها بفرحٍ واضحٍ وبإلقاءٍ مشوبٍ بالحسرة، وكثيراً ما رأيته وقد اعترته (صفنة) أثناء ترديده للقصيدة، قبل أن يغيّر الحديث.
وللأمانة أيضاً، أقول إنَّ الجواهري كان يظهر مقته لقصيدة (التتويج) جهاراً في اللحظة نفسها التي يعلن لنا اعتزازه بها، ولم أعرف سرَّ التناقض العجيب هذا حتى اليوم!
هل من يعينني على حل هذه الفزورة الجواهريَّة؟
ولتذكير القراء الأعزاء بقصيدة (التتويج) أقول إنَّها القصيدة التي ألقاها الجواهري في حفل القصر الملكي ببغداد (الرحاب) بمناسبة تتويج فيصل الثاني ملكاً على العراق رسمياً بعد بلوغه سن الرشد