لم يكن متفقاً عليه في حياته الطويلة حتى ساعة شالت الناس تابوته الخفيف وزرعته على ظهر عربة قديمة يجرها حصان فوق ماء وطين صار لونه أسود بقوة التعتيق وتنبلة عمال النظافة .
تجادلت الناس حوله وتقاذفت مجالس النخبة الصفوة والعامة والدهماء قصصه وأفعاله وأقواله وحرفه المهيب ، حتى صار بفعل مستل من بركة التقادم ، اسطورة شعبية من طعم حلاوتها ودهشتها سحلها بعضهم إلى منطقة المقدس الذي لا شك فيه ولا نقاش .
قال واحد منهم أنه شاهده غير مرة ومرة وهو يكلم الحيوان والشجر ، فضج مجلس النخبة بالكلام الرافض وبالهمس المدفون وردوا أنه قد يكون نجح في الحديث مع الطير وما حوله من أصناف الدواب ، لكن كيف له أن يقول للشجرة اغربي عن وجهي ، أو أنا احبك فتجيبه بمثل ما أتاها به وهي ليست صاحبة لسان وبيان مبين ؟
ضحك القائل ضحكة مهذبة تكاد تكون مكتومة وزاد أنه رآه بظهر بستان نخل وهو يلعب بكرب النخيل ويلقنها بخير وجميل القصص حتى أثمرت العواقر وانحنت المثمرات الحوامل من ثقل التمر والرطب وعجيب الأنواع والأصناف .
وقال مريدون وعاشقون ومتولهون ومنخطفون وشطاحون وناقلو وقائع ونقائع ، أن الدرويش كان يرى ظل الهواء ويسمي طعم الماء ويمشي فوقه مشياً ، وهو الذي حفر حفرة بشرق الأرض ودخلها فخرج من جنوب الواسعة ثم عاد وأغلقها حتى لا تصير فتنة وبدعة .
ومن نفس هذا الباب الشاسع حدثني جابر ابن خليفة ابن جابر الرابع وهو من أنوات البصرة العاليات قال : لقد شاهدته بمغربية صفراء وشلها مثل دم فائر أحمر ، فقبلت يده وجهاً وقفا ولم يكن بمستطاعي الوصول إلى جبينه المضيء ، وكنت حينها على صحو تام من دون ضغث حلم ورؤيا مبتورة .
وبعد أن أخذ منهم الجدل والعناد القاسي مأخذاً يشبه عضة أسد جائع ، كان عليهم مغادرة المضيف من بابه الخلفي ، وعلى وجوههم ذلة وظهورهم مقوسة وخواطرهم مكسورة ويقينهم مكسور ، وهناك ظهر لهم وجهه الشاسع المبجل فخروا عند قدميه ساجدين باكين داعين