منذ ليل الثلاثاء المنصرم ، وحتى تقديم هذا العمود الى النشر ، كتب كثيرون عن مأساة الحمدانية ، ومع كل سطر وكلمة في تلك الكتابات اشعر بهول المصيبة التي راح ضحيتها مئات من المواطنين ، حضروا حفلة عرس ، فخرجوا متفحمين .. لا اله إلا الله ..
شخصيا ، عاندتني الحروف ، فلم تطاوع قلمي … بقيت واجما ، حائرا ، هربت مني الكلمات ، وسطوري أصابها الذعر، فأخذت تتمايل مثل سراب المخيلة ، لا أعرف الجواب ، فقلمي أصبح عاجزاً عن تلبية أوامري، وحروفي أجدها مبتورة ، وانا اتابع مأساة الحمدانية .. فما اعظمها من مأساة ، حين امتزج خلال ثواني ، الفرح والبهجة بالحياة ، مع الهلع والفجيعة فالموت .
لقد أعلن الحرف ثورته عليّ ، فلم يعد يتحمل حزني ، ولحرفي العنيد اقول ، عِندما اقارن مآسي الحياة الواقعية بالحياة الخيالية ، فلن ارغبُ في عيش الواقع مرة أُخرى ، سوف اتمنى لو أنني استطيع أن استغرق في الاحلام الى الأبد..
كم احسد هذا الحرف ، فهو يعرف أن قلب القارئ، وهو يعيش ظروف كارثة الحمدانية ، شبيه بقلب طفل ، فعذرا له.. ان الكلمات تأبى ان تتعبه بسيل عبارات الحزن، المتمثلة بنزف الروح، فالقليل هو من يستقبل ذلك النزف و يقرأه و يقدر عمقه وحجمه وألمه، مثلما أن القليل من يقرأ أنين الجواري على الورق و يقرأ صدق الحروف..
ومع اصراري على الكتابة ، جربتُ تسويد اورقي ، لكني حين كتبت، سارعت بعد لحظات إلى تمزيق الصفحة تلو الأخرى، لأغسل ما تعلق في مخيلتي من أفكار، فأبني دون إرادتي، حائط صد لما أريد الكتابة حوله، إنه هول ما جرى في الحمدانية ، هذه البقعة الوديعة في سهل نينوى .. نعم إن هول هذه الفاجعة التي تلفنا، شبيه بالأثير الذي يتوارى خلف ضلوع الأسرار، ماحياً كل أثر كان يوماً فوق الجـدار، ويكتم اللوعة في صمت، ثم يدفن بقايا الأفكار في عمق الجراح ..
لكم الرحمة شهداء الحمدانية .. فارواحكم ترفرف فوقنا حاملة معها مأساة فرح تحول الى حزن .. لن يندمل.
اهالي واقارب الضحايا ، اوصيكم بالإيمان والصبر فهما أغلى ما في الحياة، ولولاهما لما بذر الفلاح بذوره ولألقى من يده المسحاة .. رحم الله الجميع