مع توسع المدن والبلدات وازدياد عدد السكان، بات من الضروري ان تتأسس جامعات ومعاهد جديدة، تراعي التوزيع الجغرافي وطرق المواصلات والتجمعات السكانية الكبيرة، كما كانت الجامعات العراقية تتوزع بين بغداد والموصل والبصرة ثم السليمانية منذ قيام التعليم العالي بشكله الحديث في البلد.
انتعشت الجامعات العراقية بالاختصاصات العلمية التي غذّاها العائدون من البعثات الدراسية في بريطانيا والولايات المتحدة وأوربا والاتحاد السوفييتي السابق، وذلك في منتصف السبعينات من القرن الماضي، اذ بدأت ثمار البعثات تؤتي أُكلها. وكانت في ذلك الحين تعاقدات خاصة للجامعات مع أساتذة أمريكان وأوربيين لتعزيز وضع الأقسام العلمية التي لم تكن هيئاتها التدريسية مكتملة، لكي لا يكون هناك ثغرة في المعطيات الاكاديمية العامة التي من حق الطلبة ان يتمتعوا بها ما داموا يحملون عنوان طلبة جامعيين. غير انه مع السنة الأخيرة من العقد السبعيني الماضي أصبحت الجامعات خالية من الأساتذة الأجانب الا الزائرين المؤقتين منهم، وجرى رفد الجامعات بالكفاءات العراقية التي أصبحت اعدادها تكاد تغطي جميع الاختصاصات، وكانت التوسعة في استحداث الاختصاص الجديد ذات حذر شديد حرصا على سلامة المسار الأكاديمي.
غير انّ توسيع الجامعات في مراحل لاحقة اعتراه بعض الثغرات في اكتمال الكوادر، وخاصة عندما جرى تأسيس كليات واقسام القانون والسياسة والصيدلة والاثار والاعلام والفلسفة والفنون خارج بغداد على سبيل المثال لا الحصر، وهنا تمّت الاستعانة بذوي الاختصاصات القريبة وبنسب معقولة الى حد ما. اليوم نجد، ان المشهد العلمي سائباً ومفتوحا على نهايات مجهولة، اذْ انّ قسم الاثار في معقل الكنوز الاثارية العالمية في نينوى حيث جامعة الموصل مثلا، لا يتوافر على الكفاءات العلمية من نفس الاختصاص بشكل مطلق في بعض السنوات، وانّ الوافدين الى القسم للتدريس فيه، هم من اقسام التاريخ والجغرافيا وسواها. لا بأس ان تكون هناك استعانة بحدود عشرة بالمائة لمعالجة النقص لسنوات معدودة حتى يجري تأهيل الكوادر، لكن لا يجوز ان تكون النسبة معكوسة، وكذلك الحال في كليات الصيدلة، وعلوم الكومبيوتر ،والإعلام وسواها.
لقد وجدنا في مراجعة بسيطة انّ كليات القانون والسياسة على مدى عقد أو عقدين في بعض الجامعات لم يتولَ عمادتها أحد من ذوي الاختصاص الدقيق، وهذا المنصب برغم كونه إدارياً إلا انه علمي أيضا لأنه يضبط حركة الأقسام وسياقات العمل فيها عن علم وخبرة.
إنّ توسيع انشاء الاختصاصات العلمية في الجامعات للتباهي او جراء سوء التقدير، يلحق الأذى بالمستويات العلمية للطلبة وبسمعة الجامعة على المدى المنظور.
إنّ المناقلة في الاختصاصات بين الأقسام العلمية يجب ان تخضع لتدقيق عميق من قبل رؤساء الجامعات، قبل العمداء الذين ربما كانوا في الغالب نتاج هذه الفوضى