أخطر ماقد تواجهه البشرية إنه قد ياتي على الناس زمن يقفون فيه مقابل حمار، والى جانبه إنسان، فيغني الإنسان، وينهق الحمار، والصدمة إن الناس سيتجاهلون المغني، ويقولون للحمار: أحسنت!!
غياب (التحدي) يعني إنك حين تكون مبدعا، ويحيط بك التافهون من كل جهة، وفي مجال عمل قابل لإستيعاب أنصاف المثقفين والجهلة والمتخلفين، فذلك لايتيح لك أن توجه إبداعك الوجهة الصحيحة، ويكون عليك أن تعمل وتروج للتفاهة في السياسة والخرافة الدينية ليس لأن المشتغلين معك لايفقهون وهم متخلفون، ولكن أيضا لأن مجموعات بشرية عدة تتلقى التسطيح والتضليل بسذاجة ليس لأنها متواطئة لمصلحة ما، ولكن أيضا لأنها فاقدة للقدرة على التمييز والإكتشاف والنقد الذي يميز الزائف من الصحيح.
ماذا حصل للمجتمعات البشرية مع سقوط الدكتاتوريات التي كانت تطبق على كل شيء في اجزاء من العالم، وتسخر كل شيء لدوام سلطانها؟
الذي حصل إن المنظومة السياسية تفككت، ومعها المنظومة الفكرية والقيمية للمجتمع، وفي مجالات مختلفة، وحصل فراغ صادم تم ملؤه على عجل، فتمكن الآلاف من الفاشلين والتافهين من مؤسسات الثقافة والسياسة، وحولوها الى مستعمرات للقوى النافذة في المجتمع، ولم تعد المعايير القيمية كالأخلاق والكفاءة ذات تأثير، وإكتفى القائمون على الدولة الجديدة بمعيار وحيد هو الولاء والطاعة العمياء للحزب، والجهة التي تدفع بمواليها لتولي مناصب في دوائر الدولة التي توزعت عبر نظام الحصص الطائفية والعرقية، وتجاوزوا ذلك الى ماهو أبعد من الإنتماء الطائفي والعرقي، فلايكفي أن تكون مسيحيا ليرضى عنك قادتك، ولاشيعيا لتولي منصب ما، ولاسنيا لتعمل مع جهة نافذة، والمطلوب منك أن تكون شيعيا مواليا لحزب بعينه، فإذا كنت عبقريا في مجال عملك فإن القادة الشيعة سيرمون بك في حاوية القمامة مالم تعلن الولاء المطلق لجهة بعينها شيعية لتدفع بك حيث تضمن لها مصالحها، وهذا ينسحب على السنة وعلى الكورد كما تتبعنا سيرة العملية السياسية منذ العام 2003 وحتى اللحظة الراهنة.
لم يعد لنا من مزاج في العمل الصحفي، وفي الكتابة، وفي التحليل، والتعليق السياسي، لأننا محاطون بهولاء الذين يستقطبون الجهلة أكثر منا، فحين نكتب ونبدع نجد إن هناك الكثير ممن يكتبون، ولكن المشكلة في المتلقي غير المثقف، فنحن نكتب في مجتمع فقد ثقافته، ولم يعد يقرأ ويميز ويمكن أن يغريه أي أحد فهو لايميز الحسن من الردئ، وأتذكر قول معاوية إبن أبي سفيان لعلي إبن ابي طالب، جئتك برجال لايميزون الناقة عن الجمل، وهذا هو بالضبط مانسميه بنظام التفاهة الذي يصفه (آلان دونو) كجزء من سلوك يعتمده النظام الرأسمالي المتوحش، وقد لايعلم إن ذروة هذا النظام تتجسد في عالمنا المعاصر الذي يريد الراسماليون تتفيه كل شيء فيه، بل وتحويل كل آنسان الى شخص تافه لايميز ولايفكر، بل يبحث عن شهواته وملذاته، ولايريد أن يجتهد، وتسهل السيطرة عليه، وبمعنى آخر فإن التفاهة وسيلة للسيطرة على العقول إتبعها الحكام خلال مئات، وحتى آلاف من السنين مضت، ونحن اليوم نعيش الذروة فقط.لكن التفاهة هي إرث إنساني.