كان الكبشُ الأبيضُ المرقَّطُ بالسَّواد على كتفه يتأملُ قطيعَ الغنم، ينظرُ بفَخرٍ أمامَ النِّعاجِ اللواتي يعرفنَ فحولتَه، و الخِراف الذين جرَّبوا نطحه و ضرباته، قالَ: لن أقبلَ بعد اليوم أن نكونَ مجرَّد قَرابينَ للبشر، يضحُّون بنا في حَجِّهم، و يقدِّمونَنا لضيوفهم، و يذبحونَنا لنذورهم، و يشتمون بنا بعضَهُم ببعَضٍ، و يقولونَ: بلدَ خِرافٍ، و شعبَ خِرافٍ، هل خُلقنا لكي نُذبَحَ و نُقَدَّمَ على أطباقٍ للبشرِ؟!..
مِنَ الآن ستكونُ لنا رسالةً، سنحيا لنُقدِّمَ لأنفسنا و أبنائنا دولةً و مجتمعًا أنظف وأنزه و أعدل و أرقى من البشر الجزَّارين..
لاحظَ الكَبشُ الثائرُ أنَّ الخِرافَ بدأت بالتراجعِ نحوَ الخَلفِ في زوايا الزريبةِ، حينها أدركَ أنَّ الجَزَّارَ قد جاء بكلاليبه و سكاكينه..
كانت الخطوةُ الأولى للكبشِ الثائرِ هيَ المواجهة، ليزرَعَ في أبناء جِلدَتِهِ الصوفيةِ القوةَ و العزيمةَ و الإصرارَ و المبادرةَ على التحرُّرِ…
حاولَ الجزَّارُ أن يَسحبَ الكَبشَ الثائرَ ليكونَ الذَّبيحةَ الأولى، و عِبرَةً لمَن يحاولُ إثارةَ الشَّغَبَ على عَرشِ الجَزَّارِ ، إلَّا أنَّ مُقاومَةَ الكَبشِ و نَطحِهِ و إصرارِهِ على الإفلاتِ من قَبضةِ الجَزَّارِ أنهكَت الجزَّارَ و جعلتهُ يختارُ كبشًا آخرَ كانَ مُسالِمًا ذهب صاغِرًا نحوَ مصيرِهِ المحتوم و هو ينظرُ إلى البقيَّةِ بحُزنٍ و إلى الكَبشِ الثائرِ بحسرَةٍ و استسلامٍ…
في المساءِ قرَّرَ الكَبشُ الثائرُ أن يبدأَ الخُطوةَ الثانيةَ: الهجومَ و الإفلاتَ من الجَزَّارِ، قامَ الكَبشُ الثائرُ بكَسرِ سِياجٍ مُتَهَرِّئٍ، و صاحَ: أيها الخرافُ، يا أهلي، إنطلقوا نحوَ الحريةِ، لقد كسرتُ قيودَ سجنكم و احتجازكم.. لم ينطلق معهُ إلا بِضعة خرافٍ و نعاجٍ، و كانوا يُقدِّمونَ خُطوةً و يَتعثَّرونَ في خُطوةٍ، و كانَ التَّرَدُّدُ و الخوفُ يَطبعُ آثارَهُ على آثارِ أقدامِهِم. تراجعَ القَطيعُ إلى الخَلفِ في الزَّريبةِ، قالَ كَبشٌ كَهلٌ: لقد جئتَنا شيئًا نُكرًا، ما فَعَلَهُ أحدٌ من آبائِكَ الأوَّلينَ، قالت نعجةٌ: إنكَ تُثيرُ فِتنَةً بين الأغنام، وتجلبُ علينا غضبَ سيِّدِنا الجَزَّارِ، و نخشى أن يقطعَ علينا الماءَ و الكلأَ. قال كبشٌ آخَرٌ: إنَّ قَدَرَنا أن نكونَ أضاحيَ و قرابينَ مُنذُ آلافِ السِّنينَ، فَدَع الحريةَ للإدميِّينَ، لقد خلقَهُمُ اللهُ تعالى أحرارًا و مع هذا فإنَّ معظمهم عبيدٌ لبعضِ الطُّغاةِ و الظَلَمَةِ و المُحتلِّينَ..
أيقنَ الكَبشُ الثائِرُ أن يبدأَ الخُطوةَ الثالثةَ: مُشارَكةَ القطيعِ و تحفيزَهُم للثورةِ، فدخلَ الزَّريبةَ و أخذَ يهتف: أيها الشُّجعان من النِّعاج و الخِرفان، أُناديكُم لتثوروا على ظُلْمِ و قَتْلِ و إبادةِ الجزَّارينَ البَشَرِ، هُم يَذبحونَ بعضَهُم بَعضًا من أجل السلطة و المال و الجنس، و يذبحونَنا من أجل الأضحية و القرابين و النذور و الشراهة في الطعام، لماذا لا يكونوا نباتيَّين؟!، لماذا لا يأكلونَ النمورَ و الفهودَ و الأسودَ؟!..
لم يتقدَّم لِدَعمِ الكَبشِ الثائرِ إلَّا بعض الخِراف والنعاح، أما الباقونَ فانزَوا في ركنٍ بعيدٍ..
قال الكَبشُ الثائرُ لهم: أيها الجبناء الذين إرتضَوا الذُّلَ و العبوديةَ و المَهانةَ و الذَّبحَ لن تكونوا أحرارًا، و ستُورِّثونَ خِرافَكم و نعِاجَكم العبوديةَ و الذُّلَّ..
إشتَدَّ الخلافُ بين الكَبشِ الثائرِ و بقيَّةِ الخِرافِ الذي تحوَّلَ إلى عِراكٍ و نَطحٍ، و انتهى بالكبشِ الثائرِ قتيلًا، و جَرحِ عددٍ كبيرٍ من الخِرافِ.
جاءَ الجزَّارُ و سحبَ الكَبشَ الثائرَ و هوَ يُثَمِّنُ موقفَ الخِرافِ في البَقاءِ في الزريبةِ قائلًا لهم: أشكركم، سآتيكُم بالماء و العلف، لن أسحبكم بقوةٍ بعد الآن، عليكم أن تقفوا بالطابور و كلُّ واحدٍ يأتيني متى ما أشرتُ لهُ…
قامت نعجةٌ مجروحةٌ مناصرةٌ بجَمعِ صوف و بقايا الكَبشِ الثائرِ ليكونَ نَصبًا تَذكاريًّا له، و قالت للقطيع: كُلُّكُم تعرفونَ الكَبشَ الثائرَ لو كانَ يرغَبُ بقتلِكم لقتلَكم جميعًا، و لكن جرَحَكُم أجمعينَ لتكون جروحَكُم نياشينَ، تذكِّركم بخيانتكم و جُبنكم و عبوديتكم، مات منطوحًا و سيذبحه الجزار ُو يدَّعي أنه ذبحَ كبشًا حيًّا، لأنَّ الجزارَ بلا ضميرٍ و لا ذِمَّةٍ و لا دِينٍ..
أيها الخرافُ العبيدُ لقد مَنحَكُم فرصةً للحرية و النجاة، و لكنكم إرتضَيتم العبوديةَ و جُبِلتم عليها..
يا أغنامُ لو قدَّم اللهُ لكم الحريةَ طعامًا لأعلنتُم الصيامَ…
أيها الخرافُ الجبناءُ لقد لحقتم بكثيرٍ من البشرِ الرَّعاديد الذين يمشون جنب الجدار و الخيام، و يخشون الطغاةَ حتى في الظلامِ، و ليس له من دنياهم إلا الزَّادَ و النِّيامَ…
أقولُ ..لنا و للعراق و لأهلنا ربٌّ يُلهمنا القوةَ، و يجعلنا من أهل التغييرِ و الثورة..
أ.د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي.