في احدى دورات مجلس المحافظة في العراق حدثني احدهم حول إستحقاقات عضو المجلس في الادارات فمثلاً لكل عضو ان يختار مدير مديرية لاحدى الدوائر ، وبحسب الكتلة التي ينتمي لها يحق له ترشيح مستشاراً للمحافظ ايضاً، ثم بعد ذلك تعطى له اقسام متعددة في دوائر معينة، جميع تلك المناصب الادارية تكون برعاية واشراف وتخطيط وأمر وسيادة الكتلة التي ينتمي لها عضو المجلس المنتخب وفق نظام يضمن له الاستمرار في الفوز مدى الحياة طالما كان ملتزماً في دفع وطاعة القائد والرئيس.
وقال لي آخر وهو احد المقربين وكاتب اسرار ( غير أمين) لأحد الوزراء المهمين في حكومة سابقة إن الوزير ملزم بتعيين مناصب وزارته وفق الولاء للكتلة والحزب الحائز على هذه الجائزة ( الوزارة) ومهمة هؤلاء تستمر بشكل تنازلي في وضع المناصب التي تضمن الاستحواذ على كل موارد الوزارة وتسخيرها لخدمة الاحزاب الحاكمة.
قد يبدو هذا طبيعياً في العراق ولعلنا سمعنا مراراً عن توزير احدهم بمبلغ 200 مليون دولار ، تكون الفكرة في ان تدفع الكتلة الفائزة بالوزارة بموجب نظام التنقيط الخاضع لجملة من المعايير غير الاخلاقية في الاسس التي تبنى عليها الحكومات، تدفع مبالغاً كبيرة لصالح بعض الكتل التي حازت على وزارات غير منتجة ، او لا تملك موارد وتخصيصات كبيرة ، وهذا ما اعتادت الماكنة الحسابية للاحزاب من تسويات مهمة ورئيسية قبل تأليف الحكومة تسمى مفاوضات او محادثات استكمال الكابينة الوزارية الوطنية التوافقية الخدمية وغيرها من التسميات القومية ذات الصياغات المقدسة.
وليس من المفارقة ان نرى جميع من يتحدث في السياسة من معارضة ومشاركين في الحكومات المتعاقبة يعمل بهذه المفردات ويحترمها ويلتزم بهاً ولا يخل بإلتزاماتها مطلقاً، واكرر الجميع حتى تلك التي تتحدث عن التغيير والذهاب لبناء البلاد وفق أسس جديدة قد تكون رشيقة لكنها لا تستطيع عملياً ان تخالف هذه الارادة السياسية لانها ببساطة سر ديمومة ووجود كياناتها وهياكلها التنظيمية والشعبية والاعلامية من دون النظر عن الشعارات.
أعرف شخصاً يعمل في احدى منظمات المجتمع الدولي الخاصة بالدفاع عن الحريات في اوربا، يأتي للعراق قبيل تأليف أي حكومة ( فيما عدا الكابينتين الاخيرتين) ويفتح مزاداً سرياً لعرض مجموعة من المناصب تتراوح بين مدراء عامين وبعض الدرجات الخاصة، ويروج لبعضها في اتصالاته المباشرة اثناء العرض.
وفي احدى الحكومات المتأخرة كنت مطلعاً بشكل مباشر احياناً وغير مباشر في احيانٍ كثيرة لشخصيات عديدة حملت هموماً وطنية لسنوات طويلة، ذابت تلك الهموم عندما اصطدمت بشهوة السلطة اللذيذة المؤنسة.
كان هؤلاء يلبسون قمصاناً رخيصة، ولا يستطيعون اخفاء عطور اجسادهم المنهكة، رأيتهم في مواقع ومكانات وحواضن مالية لا يمكن إستيعابها، بالرغم من ان مناصبهم بسيطة لا تتجاوز الدرجات الخاصة من الخط الثالث.
الواقع ان المنصب هو تكليف للقيام بوظيفة على المستوى الوطني بمعيار قانوني، لكن واقعاً اخر ، واقعاً نلامسه جميعاً، يصرخ صريحاً بانها مناصب مخلّة بالشرف.
ملاحظ: جميع ما ذكرت هو من وحيّ مخيلتي المريضة والحاقدة، ولا يمت بأي صلة للحياة السياسية التي نعيشها الان!!