مر يوم 3 تشرين الأول كعطلة رسمية دون اكتراث ملايين العراقيين به، رغم تعطيل الدوام بمناسبته وللسنة الثالثة على التوالي. فالعطل العشوائية عندنا اكثر من كثيرة، حيث يلغى الدوام ارتجاليا ومن دون سبب وجيه.
لم يكترث العراقيون بالمناسبة وعدّوها يوم تعطيل آخر للدوام، يضاف الى الأيام المماثلة التي حفلت بها السنوات العجاف الماضية. السنوات التي مرت والاقتصاد العراقي فيها معطل، تتحكم فيه طغمة حكم تسلطت على الرقاب بشرعية زائفة وانتخابات مزورة، في غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة والبرامج التنموية الملموسة وخطط الاعمار المدروسة، وفي ظل الإبقاء على الاقتصاد الريعي الاحادي المشلول. فلا انتاج غير النفطي المصدّر، والذي يُنهب جزء كبير من عائداته في صفقات فساد، عبر حيل والاعيب واستهتار من جانب مسؤولين معروفين، ومنهم من فر هاربا بعد ان نهب مليارات الدنانير.
معلوم ان حكومة “سرقة القرن” أقرت في جلستها يوم 10 أيلول 2020 اقتراحا سبق ان تداولته حكومة المالكي في 12 أيار عام 2007، بأن يعلن الثالث من تشرين الأول من كل عام عيدا وطنيا للعراق. وجرى تبرير ذلك بالإشارة الى كونه اليوم الذي وافقت فيه الجمعيّة العامّة لعصبة الأمم سنة 1932، على قبول العراق عضوا في العصبة واعتباره عضوها الرقم 57 في تسلسل الدول الأعضاء. وجاء ذلك بناءً على طلب الانضمام الموقع بتاريخ 12 تموز 1932، من قبل رئيس الوزراء وقتذاك نوري السعيد.
ولا يتسع المجال في هذه السطور السريعة للمرور على مضامين معاهدة سنة 1930 المذلة (وقد نشرت جريدة طريق الشعب نصها الكامل في عددها الصادر يوم 3/10/2023)، التي قُدم الطلب بموجبها، والتي جاءت تحديثا لمعاهدة 1922 الاسترقاقية، المجسدة لهيمنة الاستعمار البريطاني على العراق. كما لا يتسع المجال للتطرق الى احتجاجات الشعب العراقي الرافض لتلك المعاهدة، ولا لبحث الأساس الفكري لعمالة حكامنا للمستعمرين. لكن تجدر الإشارة الى الأفعال المستنكرة للماسكين بالسلطة وإذعانهم الشائن للمصالح الأجنبية، واخضاعهم القرار العراقي لخدمتها، وقد سجلت صفحات التاريخ هوانهم المخزي وهم يوقعون مع المحتلين معاهدة 1930 الاستعمارية.
ومع ذلك لابد من قول الحق بشأن العديد من رجالات الحقبة الملكية، الذين كانوا أنزه من بعض المتنفذين اليوم، فلم تتلطخ اياديهم بمال الفساد.
كما كانوا اكثر تحضرا ممن نشاهدهم اليوم مجسدين الانحطاط القيمي والتخلف الاجتماعي. والأدلة على ذلك لا حصر لها، ويمكن الإشارة مثلا الى الاحتفال الباذخ الذي أقيم امس في ساحة الاحتفالات وسط المنطقة الخضراء، بمناسبة “العيد الوطني” المزعوم، حيث الرثاثة التي تليق بمن لا علاقة لهم بالثقافة بمفهومها التنويري والتغييري، والمحتوى الهابط المسيء للذوق العام. وقد وصلت الضحالة فيه حد إنشاد (ناعما منعما) في النشيد الوطني!
هذا الى جانب مظهرين استفزازيين: الاول هو البذخ المفرط دون مراعاة إنسانية لمشاعر ثلث مواطنينا، الذين يرزحون تحت خط الفقر. والآخر والاكثر استفزازا هو اقامة حفل (فني) استعراضي مفرط في ابتذاله، في الوقت الذي ما زالت فيه مراسيم تشييع ودفن ضحايا محرقة الحمدانية مستمرة، ومعها احزان أهاليهم المفجوعين.
وقد كان مفترضا ان يتواصل الحداد الوطني حزنا عليهم، لا ان يقدم هذا الحفل الاستعراضي الهابط!