نفر يفسدون في الأرض ولا يصلحون لا خير فيهم ولا نجاة ، ونفر آخر يصلحون ولا يفسدون فيهم الخير كله ومعه النجاة .
وفي وطننا اختلط الحابل بالنابل فلم نعد ندري من المصلح ومن المفسد .. وهو أمر يدعو الى الحيرة والعجب ، اذ كيف يخفى من يريد الاصلاح على أحد كما كيف يخفى من يريد الافساد على أحد ؟
الحق انها مفارقة لا تتكرر في وطن من الأوطان ، غير أن وطننا أبتلي بساسة غمض علينا معرفتهم ، فهم يتشدقون بكلام معسول ويرفعون شعارات مغرية ، ولكن الوقائع تكشف بعد حين عن مدى الكذب الذي مارسوه ردحا من الزمن .
لقد خدعنا بهم ولم نر من الاصلاحات شيئا يذكر ، والأدهى من ذلك أنهم اغتالوا حريتنا وسرقوا ثروتنا وشردوا اخواننا وقتلوا أبناءنا .. ليبدو الأمر كله خيبة أمل لا مثيل لها .
أي فساد تغلغل في أعماقهم ! وأي شر قبع في نفوسهم ! بل أي كارثة حلت علينا !
ونسمع كلاما من نفر آخر يقولون فيه أن الاصلاح قادم وأن الأيام حبلى بالمفاجئات السعيدة ، ويطول الانتظار ويطول فلا تبدو في الأفق ثمة بادرة لبشائر الخير المنتظر .
وهكذا تمضي أعمارنا جزافا .. فلا دفء ولا شمس ولا ربيع .ونتساءل كل يوم مرة ومرات : متى نخطو الخطوات الحاسمة نحو الرقي والتقدم ومتى نخلع أردية الفقر والذل والخنوع ؟ فلا نجد جوابا يشفي الصدور .. كأن السفينة لا تريد أن تبحر الى شاطيء السعادة والأمان , وكأن المنظر برمته بات خاويا موحشا ليس فيه أية لمسات من طمأنينة .
ورحنا جميعا نتأمل المشهد بحسرة وألم وعيون دامعة ، ذلك أن الوطن راحت تعبث به رياح السموم لتدمير ما تبقى به من مقاومة وصمود .
كيف القدرة على البقاء وسط أجواء عاصفة تنذر بشر مستطير ؟ كيف يتسنى لنا أن نقف على أقدامنا وولاة أمورنا راحوا يوغلون في خصوماتهم وقد شغلتهم أطماعهم عن أي شيء آخر .. لم يكترثوا لرعيتهم بل تركوهم يواجهون أقدارهم المجهولة بمفردهم متناسين استغاثاتهم وصرخاتهم.
لقد تبدد الحلم في أن يكون لنا وطن معافى بعد أن ضاعت معالم الطريق بمن يريد لنا خيرا أو يريد بنا شرا .. يريد لنا اصلاحا أو يريد بنا افسادا .