المتاجرة “العربية” و”الإسلامية” بالقضية الفلسطينية قديمة، اذ منذ عقود ما بعد نكبة 1948 هناك مَن باع واشترى وصعدَ ونزلَ وعارضَ وحكمَ باسم هذه القضية. وفي العراق لعبت قوى سياسية كثيرة على هذا الوتر طوال عشرين سنة مرئية وماثلة الوجود امامنا اليوم، مرة يكون ذلك بالتناغم مع شعارات فيلق القدس الإيراني، ومرّة انطلاقاً من تغطية دعائية تستر مشاريع سياسية وجهوية محلية منحرفة واستغلالية.
الظاهر ان شعارات المتاجرة بالقضية الفلسطينية كانت دائماً سهلة التناول بيد من هبّ ودبّ، لكن يبدو انه بعد أن تنتهي حرب غزة الأخيرة لن يبقى أي شعار” فلسطيني” الدلالة بين الشعارات السياسية المتداولة في العراق للاستهلاك المحلي.
أي شعار سياسي يجب ان تقابله إمكانات القدرة لنقله من النظرية الى التطبيق، حتى لو طال الزمن. ولكن في العراق كانت جميع الشعارات السياسية متاحة للتغني والتباهي والاطلاق والمناكفة والاستغلال والتهييج والاستجداء، وكانت سهلة الكتابة والتوزيع من دون مسؤولية فعلية او اعتبارية
كأي شيء مستخدم في العمل السياسي السائب في البلد، لذلك مرت “فلسطين” بكل قدسيتها وأحزانها وأثقالها وجروحها وعقودها الدامية من بين تلك الشعارات الاستهلاكية المحلية أو تلك المستوردة من ايران، بما كرّس حالة عدم ثقة العراقيين بأي جهة تتعامل بالشعارات الفلسطينية لأنها قبل ذلك حنثت بالقسم في أمور تخص القضية الوطنية العراقية، سنة بعد أخرى، فكيف لها أن تبر بشعارات، ولا أقول قَسَما، من اجل الشعب الفلسطيني وعذابات أطفاله ونسائه تحت القصف الاسرائيلي الوحشي في قطاع غزة المحاصر.
أوضاع سياسية في العراق وسواها من البلدان العربية سوف تعيد هيكلة شعاراتها وامكاناتها وسياساتها، بعد حرب غزة الأخيرة ، فما قبل هذه الحرب الاستثنائية لن يكون مشابهاً لما هو آت بعدها. والنيران حين تشتعل لا حدود تقف امامها، والعرب المتحزّمون بشعارات المقاومة الفلسطينية أو الاخرون الذين حلّوا حديثاً الأحزمة بالتطبيع، لا يمتلكون رؤية استراتيجية حينما تتحرك الاحداث بقرار من أصحاب الأرض والقضية هناك، حيث يصنعون شعاراتهم ويعرفون كيف ينقلونها الى الواقع.