مازالت كلمات الفيلسوف اليوناني الخالد سقراط (ت 399ق.م) التي جاء فيها: (كل ما أعرفه، هو أنني لا أعرف شيئاً)، تتردَّد أصواتها عبر الزمن في كل مكان، وتحتشد حولها غابة من الأسئلة وتمتد فوقها غيمة من الاستفسارات، وكان من الممكن أن تمر هذه الكلمات من غير أن تثير غبارا لو أن قائلها كان أحدا آخر غير سقراط الذي يوصف بأنه من أحكم الناس ومن أعلاهم شأنا في المعرفة وأكثرهم ثراء في العلم، فهو بكلماته هذه يعلن بشكل واضح ومحيِّر في الوقت نفسه أنه يدرك أن الحاجة إلى المعرفة لا تتوقف عند حد، وأن حاجته إلى البحث عن المعرفة والحقيقة وإلى الحكمة والفضيلة يجب أن تستمر، وهو هنا يعطي درسا للجميع حكماء ومتعلمين ومعلمين وجَهَلَة أن اكتساب المعرفة طريق طويل ممتد ومتشعب وواسع، وأن الإنسان مهما بلغ من مستويات العلوم فإنه يظل بحاجة إلى الاستزادة من تلك العلوم، وإنه بحاجة إلى المزيد من البحث الجاد عن الحقيقة وعن المعرفة، فمادامت الحياة متجدِّدة فإن علومها في حالة تجدُّد أيضا، ومن تتواصل حياته لا بد أن يكون متواصلا مع الحياة بإفرازاتها الجديدة والمتجدِّدة معا، لا أن يضع ساقا على ساق ويجلس في مقهى من المقاهي لشرب الشاي والثرثرة في مواضيع مكرَّرة مع الأصدقاء والمعارف، أو يستريح عند محطة من المحطات الحياتية ويقول بصوت عال: كفى معرفة، فقد اكتفيت، وعليَّ التوقف عند الحد الذي أنا فيه.
إن الحاجة إلى المعرفة مستمرة ومتواصلة مادمنا مستمرين على قيد الحياة، ومادمنا مستمرين على قيد الحياة فإننا يجب أن نكون مستمرين على قيد المعرفة.