سعى الساسة الألمان بكل قواهم الدبلوماسية لمنع غزو روسيا لأوكرانيا، وتمنوا أن ينجحوا في التوصل إلى منع الحرب أو على الأقل ايقافها كما كانوا قد نجحوا قبل ثماني سنوات وتوصلوا الى اتفاقيتي منسك 1 ومنسك 2 وفق ما سمي بصيغة النورماندي التي جمعت كل من روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا.
بيد أن الأمر لم يسر هذه المرة كما تمنت ألمانيا حيث وقع الغزو واحتارت ألمانيا في تصرفاتها وسياساتها التي حكمتها تطورات مجرى الحرب. أمتنعت ألمانيا طويلاً عن المشاركة في توريد السلاح إلى أوكرانيا، رغم الضغوط الخارجية عليها من دول الغرب لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية بحجة التزامها بعدم توريد السلاح إلى مناطق التوتر. لكنها لم تستطع المضي على هذا الموقف فراحت تتحدث عن توريد سلاح دفاع وسلاح غير فتاك! ورغم ذلك فقد فرضت تطورات الغزو الروسي وازدياد الضغوطات يصاحبها فشل جهود الوساطة إلى تغيير موقفها من توريد السلاح إلى أوكرانيا من أجل الدفاع عن نفسها.ش
يعيش الألمان اليوم وهم يتابعون أخبار الحرب الروسية ضد اوكرانيا بين هواجس الحرب والسلم، بين ما يستحضرونه من صور وذكريات الحروب التي دمرت ألمانيا وما يعنيه ذلك في أعداد مئات الآلاف بل الملايين من القتلى، وقضمت منها من الأراضي، لا بل وقسمتها إلى شرقية وغربية لمدة أربعين سنة. تذكروا أزيز الطائرات وأصوات القذائف وألسنة النيران التي تلتهم البنايات لتتعالى سحبها في السماء وسط الصراخ والأنين. كما قرأوا في تاريخهم كيف عاش الشعب الجوع والعيش بكفاف وذل الاحتلال.
إن الألمان يدركون ويتهيأون لامتداد نيران الحرب إلى ألمانيا أو إلى أية دولة في حلف الناتو، وهم يفهمون ما تعنيه الحرب النووية حتى في إطار استخدامها المحدود. لقد بدأوا يحتاطون للهجمات السيبريانية التي قد تضرب مفاصل مؤسسات حساسة عسكرية ومدنية.
بدأ الناس يتحسسون ارتفاع أسعار المواد الغذائية ويخشون شحتها، تلسعهم ارتفاعات أسعار البنزين والغاز، ويرعبهم شبح فقدان السلم والأمان. يتدافعون في استقبال اللاجئيين الأوكرانيين ونجدتهم بمال وملابس وسكن وغذاء ودواء.
واليوم ما يزال الألمان يصرون على رفض ايقاف توريد النفط والغاز الروسي إلى ألمانيا بسبب التداعيات السلبية الكبيرة على اقتصادهم، وهم يأملون في تهدئة لا تجبرهم حينها الظروف على إلغاء مشروع نقل الغاز الروسي نورد ستريم 2، الذي علقوا تشغيله