شكرا لكل من تذكر ، أن ثمة مثقفا عراقيا ، نحتفل من أجله يوم 25 تشرين الثاني ،شكرا لـ( محمد رشيد) الذي يأبى أن يلقي بسيفه ، ويترجل عن جواده.كيف نحتفل ؟ وأية رسالة نوجه ؟ نحتفل بالأسى والحزن ونمسح بقايا دمعة أريقت من أجل ذكرىونشكو التوحد مع الخسارة فلماذا يكون المثقف رديفا للخسارة والخيبة ؟ ومن المسؤول ، أهو المثقف الذي تنكر لدوره ، أم السياسيون الذين أجمعوا على استلاب دوره ، وتحويله إلى بوق مدفوع الأجر ؟
كنا نقول : إن الثقافة للسياسي قوة ، والسياسة للمثقف ضعف .ذلك أن السياسي رجل ذو برنامج ، ويطمح لهدف محدد ، وأفعاله ونشاطاته ينبغي أن تنتظم على وفق قلادة البرنامج الذي اختاره .أما المثقف فإنه معني بالحياة ، باحث عن المعنى ، مهموم بالجمال ، لا يعنيه التطابق قدر عنايته بالاختلاف ، وهذا هو بالضبط ما يحقق التطور ، لذلك لا يمكن أن يضبط ساعته على تحديدات السياسي وبرنامجه ، ومتى ما وافق على ذلك ، فإنه يتخلى في اللحظة ذاتها عن صفته ودوره .
والآن ، وفي يوم المثقف ، ماذا نقول ؟ هل ندعو المثقف إلى الانسلاخ عن ثقافته ؟ أو ندعو السياسي إلى الرأفة بالمثقف ؟ وكلا الدعوتين لا تعنيان سوى طعن المثقف في يومه ..السياسي يعرف سحر المثقف ,والمثقف يدرك قوة السياسي ,وبينهما صراع ينتهي دائما إلى خسارة المثقف وانتصار السياسي ، فلماذا يحدث ذلك ؟ إنه مكبس الحياة الذي يضغط على المثقف ، فالمثقف إنسان ، وله احتياجات ، ولم تكن الثقافة أو الأدب أو الفن ، أو التأليف ، أو الكتابة والنشر ، أو إلقاء المحاضرات كافية لتلبية احتياجاته الإنسانية ، هذا يحدث ليس في العراق وحده ، إنما في دول العالم الثالث جميعا ، فباستثناء قلة قليلة لا تشكل نسبة ما ، لم اسمع أن الأديب أو المثقف قادر على العيش بكرامة نتيجة جهده في حقل الابداع أو التأليف .لذلك لابد من البحث عن حل ، والحل هو البحث عن عمل ، في التجارة أو الصناعة في مؤسسات الدولة أو خارجها ، لابد من العمل كوزير أو سائق سيارة أجرة ، أما التمسك بالصفة فإنها غير كافية دون نيل بركة السياسي ، ومتى ما نال المثقف بركة السياسي فإن مجالات العمل والحياة تفتح على مصراعيها .نعم يرضي المثقف احتياجاته ، ويخسر دوره ، لأنه دور مدفوع الأجر .
هل نبحث عن مكرمة تمنح للمثقف ، كمتسول ، أو أرملة فقدت معيلها ؟ منظمات المجتمع المدني لا تفعل شيئا لأنها سياسية أو تستظل بالمال السياسي ، مهما كان المتحدثون الرسميون بليغين في الدفاع عن مهنيتها .ومؤسسات الدولة عاجزة عن أداء دورها بشكل فاعل ، فكيف نطلب منها الابداع في حقل لا تظلله تعليمات أو قوانين ؟ ما الحل ؟ ما من عظيم ، أو نبي ، أو مصلح ، أو صاحب نظرية ، او مبدع كبير ، إلا وكان الألم رفيق دربه .
فالابداع لا يبنى على السهولة والتطابق .وللتغييرات الحقيقية ثمن يدفعه المضحون من أجلها .والرسالات لم تنجح على قاعدة الاحتفالات والدعوات .وأجمل الأغاني والقصائد والروايات والقصص واللوحات تلك التي لا تشبه غيرها ، ذلك إنها تبحث عن الجذر الذهبي المتناغم مع أسئلة الإنسان وهو يواجه قدره في الحياة .فلماذا نبحث عن حلول سهلة تأتي على شكل مكرمات ؟ دع الألم يصهر روح المثقف ، أملا في نتاج عظيم .ودع أنامل الموسيقي تبلى بحثا عن لحن خالد . ودع ضوء عين المبدع يخفت وينطفئ وهو يحاول صياغة كلمة يلامس مدلولها قلب الإنسان .أهي دعوة صادقة في يوم الاحتفال بيوم المثقف ، أم قسوة على المثقف مغلفة بهدف كبير .مهما كان الجواب ، يبقى السؤال جمرة نقذفها من يد إلى يد ، وتبقى الإجابة مياه تحاول إطفاء جمر السؤال .
السؤال سيف والاجابة غمد .