من يتمعن ويقرا ما طرح من آراء في المدينة الفاضلة وحوارات سقراط مع السفسطائين وما طرح في اكاديمية افلاطون وما بَلغه المعلم الأول ارسطو يقف حائرا بمنزلة وظروف نشوء تلك الحضارة .
يقال ان اقرب فهم للمعنى المقصود من مفردة ( اكاديمية ) هي مدرسة لتعلم الوعي أسسها افلاطون في بستان وكتب على جدارها لا يسمح لمن لا يجيد الرياضيات دخولها – والمقصود حسب فهمي المتواضع بالرياضيات – هو الوعي في الحياة لا ارقامها فحسب .
مطلع الالفية الثالثة انحدر مستوى التعليم في العراق وبقية الدول العربية بصورة واضحة .. سيما في المدارس الحكومية التي تضم اغلب أبناء الشعب ( أباة الضيم وماكنة الهم ) القادرة على تفريخ الفلاسفة والعلماء والجهابذة والعباقرة والعاملون بمختلف صنوف المعرفة .. فيما انتشرت بصورة عمودية وافقية المدارس الخاصة مع ظاهرة التعليم الخصوصي حتى أصبحت عناوينها اكثر شهرة وسعة من ( باعة الفلافل والفول ) .
اذ بامكان أي باحث علمي زيارة اغلب طلبة الجامعات والاعدادية الاهلية والحكومية واستطلاع المستويات واستنباط المعان والدلالات مما بلغت من تدني كانعكاس لظواهر أخرى مجتمعية متشابكة وشائكة .
عموم الطلبة في الوطن العربي يدرسون مختلف العلوم لتحقيق اهداف محددة متفق عليها ضمنا وعرفا … متمثلة باعتبار التعليم وسيلة للحصول على وظيفة وراتب ووجاهة وضمان التقاعد وغير ذلك .. ما لا يمت بصلة للوعي .. فقد بلغت نسبة الامية قبل الحرب العالمية الأولى في الدول العربية الى ما يصل 90 بالمائة الا ان الوعي عند العشرة الباقية كان كبيرا جدا .. فيما شعوبنا اليوم اغلبهم يجيدون القراءة والكتابة بل ويتقنون فنون استخدام برامج التواصل فيما نسبة الوعي انحسرت دون العشرة بالمائة .
قبل سنوات فكرّتُ بافتتاح مكتبا صغيرا او غرفة في بيتي لالقاء بعض المحاضرات عن ( الوعي ) معتقدا او ثقة او غرورا بنفسي باني بلغت من الاطلاع ما مكنني ان افيد به أبناء وطني .. وكانت مجازفة خطيرة في بيئة يعد فيها الوعي اكسد بضاعة .. بل مهنة تبلغ حد ( السخافة ) – حسب راي البعض – لانها لا توكل عيش . وقد استشرت بعض خلص أصدقائي ممن اثق بنواياهم الحسنة وتوجهاتهم الخيرة وقدرتهم على الفهم فجاءت النصائح كالاتي :-
– احدهم قال : ( من سيدخل اكاديميتك المزعومة ومن سيدفع فلسا واحدا مقابل ذلك وكيف ستسدد الايجار وبقية المصروفات ) .
– قال اخر : ( ان تعليمك الوعي سيحرض بعض أصحاب الفضول وربما يحاربوك حد الاتهام ) .
– قال اخر : ( ان الفكرة ولدت ميتة ولا تصلح لبيئة تنتشر بها المدارس التي تَعدُ الناس بالتعيين .. فبم تعدُ طلابك .. هل يبيعون ( وعي ) .. باي سوق ومصرف يصرفوه ) .
– قال آخر : ( انصحك ان لا تخوض بملف شاق وخيم العواقب .. فانت فعلا تؤدي هذا الغرض من خلال اعمدتك وتغريداتك ومحاضراتك ونقاشاتك ) .
عند ذاك تذكرت رائعة سقراط التي قال فيها : ( واي حكمة تلك التي تباع بدراهم معدودة ) ..
ثم تمعنت في العبارة الاثيرة والحزينة والعميقة التي قالها الامام محمد باقر الصدر حينما سؤل عن موعد صدور كتابه المنتظر ( مجتمعنا ) ، فقال : ( ان مجتمعنا لا يسمح باصدار مجتمعنا ) .