لا أعني بلغة العصر اللغة القومية التي يتحدث بها أبناء الأمة الواحدة فيما بينهم كوسيلة للتفاهم الفكري والحضاري ، وانما أعني بلغة العصر ذلك الأسلوب الذي ينهجه أبناء المجتمع في التعامل بعضهم مع البعض الآخر بما فيه من سلوك مغاير ورؤية مختلفة لجيل انقلب على ما ورثه من مفاهيم لجيل قبله .. ذلك لأن لكل عصر لغته التي ينهج نهجها .
ولغة العصر التي نحن تحت ظلالها ليس لها مسار منتظم ولا أهداف محدودة وانما هي محاولات تقليد في أكثرها سواء في ملبس أو مسكن أو مطعم أو مشرب ، وكذا الحال في التخاطب وفي العلاقات الاجتماعية .. حتى الزواج أمسى ضربا من هذه اللغة الجديدة التي تفرض سلطانها على المجتمع .
أما علاقة الأبناء باباهم فهي الأخرى اتخذت طابعا لم تألفه الأجيال السابقة بما في هذه العلاقة من حرية ليست لها قيود كما أنها خروج عن المألوف ، لذا اتسمت هذه العلاقة بروح التمرد بل العصيان أحيانا .
ومع ذلك فإنه ليس من المعقول أن تكون لغة الابن هي لغة الأب نفسها ولا لغة هذا الجيل هي لغة الجيل الذي سبقه ، ان التغيير ضرورة تفرضها طبيعة الحياة بكل مقاييسها غير أن العلاقات الاجتماعية يجب أن تسير سيرتها المحمودة وألا تقوض المجتمع وإنهدم بنيانه .
إن إرثا من القيم والأعراف لا يمكن أن نمحوه ونسحقه في سنوات معدودة .. ان هذا الإرث بما فيه من مخزون حضاري هو البقية الباقية من أصالة أمة كانت لها مكانتها تحت الشمس ، فكيف نتخلى عن ذلك في طرفة عين !
وكيف لا نتألم ونحن نرى بأم أعيننا أن هذه اللغة أخذت تطبع النفوس بأوبئة غير قابلة للعلاج وأن الرياح المسمومة تأتيها من كل حدب وصوب لتنهشها وتمزق أبدانها .
أنرضى لأنفسنا بأن تكون لغة العصر لعنة على ثقافتنا لتحتوينا ظلمات الجهل ! أنرضى أن تستباح قيمنا تحت شعارات الحرية الكاذبة ! أنرضى أن تكون المرأة مجرد متاع لا قيمة لها دون أن تؤدي دورها في أن تكون أما ومربية لأجيال قادمة تبني وطنا عزيزا مقتدرا !
ان كانت لغة العصر معتدلة غير منحرفة ولا متهورة أدت مهمتها على خير ، أما اذا غلبها الإعوجاج فهي حينئذ تدفعها الى هاوية .
ونحن نواكب المستجدات التي تطرأ علينا فان الحكمة تقتضي أن نكون على حذر من الإنزلاق في مغرياتها البراقة وألا نغفل عن جذورنا التي فيها الأصالة ومكارم الأخلاق جميعا اذ أن شر البلية أن ننزع جلودنا لنرتدي جلودا ليست على مقاساتنا فنكون كلعبة ساذجة يهزأ بها كل من يصطاد بالماء العكر .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *