وأنا بين فوضانا العارِمةِ أتساءل:
أين كُنَّا؟
أين صِرنا؟
وأين العروبة التي كتبَت عنها الأقلام، ودُرِّسَت تاريخًا ثمينًا يُولِّدُ الآمالَ لِحاضرٍ قد يملأُ الدنيا ألوانَ حياة؟
أين العروبةُ التي هتفنا باسمِها دومًا وتعلَّمناها نهجًا دِراسِيًّا في صغرِنا من قصائدِ وقصصِ القدماء؟
أين العروبةُ التي قُلنا يومًا بأنَّها جمَّعَتنا؟
أفتحَ عيني الآن فلا أجدُ أحداً في الجوار!
– من قالها؟
أعودُ لِأصحِّح جملتي الأخيرة:
أين العروبة التي قالوا يومًا بأنها سَتجمعُنا؟
عن أيِّ اجتماعٍ كانوا يتحدَّثون ونحن الآن مُتفرِّقونَ وسطَ حاضِرٍ رمادِيٍّ قاتِم الانحلال!
انقِسامٌ يتلوهُ انقِسام، وحدودٌ صارِمةٌ لا ترضى إلا بِجوازٍ وقبول
أين هي الألوان؟
هل ضاعَت العروبةُ في الظلام؟
لطالما اعتادَت الإشراقَ في القِدم زمنَ الازدِهارِ والانتِشارِ والعراقةِ عِلمًا وعملًا وفنًّا ورحمةً حتى جاءت لحظةُ الانفصال!
لحظةُ الانقِشاعِ عن المبادئ والحكمة، عن الرحمةِ والألفة، عن الإنسانِيَّة وعن العروبةِ ذاتها!
باتَ العربيُّ عدوًّا لِلعربيّ بعدَ أن كانوا في حروبهم سواء!
باتَ العربيُّ يموتُ جوعًا، ألمًا، ظُلمًا وتهشيماً بينما الآخرُ يهنأُ بالعيشِ والرخاء و في الماضي كان يقسِم لقمتهُ قِسمَين فيأكُلانِ معًا وبحمدِ الله والتودُّدِ ينتَهِيان
في الماضي كانت العربُ إنسان!
فيا حسرتي على حاضِرٍ ما عادَ فيه لِلإنسانيةِ مكان!
يا حسرتي على بُطونٍ يملؤها الخواءُ والجوعُ ينهَشُ لحمها، وفقرٍ يرتفِعُ أنينُه عنانَ السماءِ صُراخًا فاضِحًا أن كفانا موتًا بطيئًا ينهشُنا بإتقان!
يا حسرَتي على عُقولٍِ ما عادَت تُفكِّر إلاَّ في شهرةٍ بِلا معنى وقد تكونُ سراب
ما بالُ تلكَ العقولِ ما عادَ يُغريها إلاَّ الفراغ؟
فراغٌ هائلٌ يعُمُّ الحاضِر، فِكرٌ جاهِلٌ مُتخَلِّفٌ مُتعصِّبٌ وانحِطاطُ أخلاق!
تقليدٌ أعمى لِغربٍ قد وصلوا وبذكائهم أخَّرونا، جعلونا في الخلفِ ومضَوا يُوزِّعون على شبابِنا هدايا تُغري حماسَهم لِلصمتِ والتركيزِ في اللعِب، فربِحوا جولاتٍ وجَولات بمكانِهم خاضِعين خانِعين!
تبدَّلَت أفكارهم وتلوَّثَت حتى انتشرَ غبارُ ضياعِ الأمةِ في الأزقَّةِ والحارات!
مُلهَياتٌ وأخبارٌ وأحداثٌ لا فائدةَ منها غيرَ شدِّ الانتباه عن المهام والانجازات!
تهانينا..
نحنُ الآنَ في حاضرٍ ضائعٍ بين الحروبِ والدمار، مُنغَمِسٍ في المصائب والنكباتِ والأقاويل والتحاليل التي لم تجلِب سوى العار لِعروبتِنا!
وأتساءلُ بين كلِّ هذا الركام:
أين كُنَّا؟
أين صِرنا؟
وأين العروبة المنسِيةُ على رفوف انتظار الاستيقاظ من الإغماء الطويل؟

مياس وليد

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *