عند سؤاله عن طبيعة العلاقات مع روسيا وفيما إذا كانت تؤثر على علاقة العراق مع الولايات المتحدة قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مبتسما وواثقا (كلا .. العراق هو من يحدد طبيعة علاقاته مع الأصدقاء ولن يسمح لاية جهة مصادرة قراره الوطني). بكل صراحة كان هذا الجواب شجاعا ودليل ثقة بالنفس وبعدم إرتهان قدراته وطاقاته لأية جهة مهما كانت. فالعلاقات الندية بين الدول لاتحتاج أكثر من قرار شجاع لاسيما أن العلاقة بين العراق والولايات المتحدة برغم أن الأخيرة توصف بأنها الراعي الرسمي للنظام السياسي مابعد 2003 بقيت دائما في حالة من المد والجزر, والأسباب التي تقف خلف ذلك كثيرة. وحين تحدث السوداني عن علاقة العراق مع روسيا اليوم وقبلها الإتحاد السوفياتي سابقا عاد الى الوراء 80 عاما هي عمر العلاقة العراقية ـ الروسية منذ أريعينات القرن الماضي.لم يكتف السوداني بذلك بل زاد أن هذه العلاقة الممتدة طويلا في الماضي سيتم الإحتفال العام المقبل (2024) بذكراها الثمانين.
هنا صفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الموصوف بالقيصر والمملوء كبرياء لإجابة السوداني عن هذا السؤال وقبله سؤال العلاقات الروسية ـ العراقية الأمر الذي يؤكد بشكل قاطع إن الطريقة التي إجاب فيها السوداني عن أسئلة تبدو ملغومة أو إشكالية على أقل تقدير أثارت إعجابه وربما فاجأته لأنها شديدة الصراحة والوضوح والقابلية على الديمومة وبناء شراكة جدية مع هذا البلد الكبير الذي هو إحدى القوى العظمى الخمس بل هو ثاني إثنين من هذه القوى ممن يتنازعان الهيمنة على العالم منذ مرحلة الحرب الباردة بعد نهاية الحربت العالمية الثانية (1945) وحتى اليوم.
من الواضح وفي سياق متابعتنا للمسار السياسي الذي ينتهجه السوداني وبالذات على صعيد السياسة الخارجية من الواضح إنه يتبع منهجا قائما على كيفية إقامة علاقة منتجة مع الآخرين تجسيدا للمصطلح الذي نحته وهو “الدبلوماسية المنتجة” التي تقوم على ربط العمل السياسي والدبلوماسي بما يمكن أن يترتب عليه من نتائج عملية على صعيد الاقتصاد والتنمية والإستثمار والطاقة وكل المجالات والميادين العلمية والتقنية. هنا حين تتمكن الحكومة من تطبيق سياسة من هذا النوع قائمة على ربط الكلام بالفعل سوف تتحدد طبيعة العلاقة وفقا لمبدأ المصالح المشتركة. ولأن المصالح المشتركة لاتقتصر على دولة دون أخرى بل يمكن أن تتكامل مع معظم دول العالم فإن ماينتج عن ذلك هو التوازن في تلك العلاقات وليس الإنحياز لهذا الطرف دون ذاك.
وبالنظر لطبيعة العلاقة التي ربطت العراق بالولايات المتحدة الأميركية بعد عام 2003 بدا إنه يصعب على العراق الخروج من فلك هذه العلاقة لأسباب كثيرة ومتداخلة دون أن تكون هناك رؤية سياسية جديدة قادرة على تقدير مصلحة البلاد العليا. وبصرف النظر عما يقال عن هذه العلاقة وطبيعة الخطاب السياسي المعارض لهذه العلاقة مع أميركا حد القطيعة أو المؤيد حد التبعية فقد بدا وكإنه يتعين على أي رئيس وزراء يريد أن يرسم علاقات العراق مع دول العالم لابد أن يأخذ رأي أو يأخذ بعين الإعتبار طبيعة العلاقة مع واشنطن أولا. لكن الـ “كلا” السودانية التي أطلقها رئيس الوزراء من موسكو وضعت حدا لهذا الجدل ورسمت بعدا جديدا لعلاقات العراق مع كل دول العالم على أساس مبدأ التوازن وعدم الإنحياز وبما يخدم المصالح المشتركة. ينطبق ذلك على الولايات المتحدة مثلما ينطبق على روسيا وسواهما ممن تربطنا بها علاقات من دول المنطقة والعالم.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *