توقّفُ الحرب ساعةً واحدة بشكل جدي هو أفضل من استمراها ساعة أخرى. وحرب غزة معقدة، واستثنائية، فيها خسائر مهولة، وانّ الهدنة لأربعة او خمسة أيام لا تتناسب مع جسامة الكارثة، لكن تبقى الحرب فيما لو تستمر من دون هدنة كارثة أكبر، تلك هي المعادلة في اطارها العام، بيد ان التفاصيل شيء آخر تماماً.
الهدنة نتاج التقاء طرفين عند مسافة معينة ولا أقول عند منتصف الطريق، ذلك انّ العلاقة بين إسرائيل وغزة لا تسيطر عليها مسافة أو نقاط متفق حولها مطلقاً.
في الهدنة، مؤشرات على تواصل عبر نوع معين من اللغات السياسية او العسكرية، وكل طرف لديه أسباب قوة يراها هو بنفسه أو يراها الاخرون فيه. فإسرائيل معها العالم كله قولاً وفعلاً، باستثناء زعامات ومنظمات وتيارات لا تكترث للضغوط والتهديدات لاسيما عندما تكون موجودة في ساحة الغرب. وغزة تمتلك دعماً معنوياً شعبياً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي، لكن لا أحد يستطيع أن يمنحها شربة ماء من البحر الذي تقع على ساحله، من دون موافقة تل أبيب، وبنسبة محدودة ومقننة.
الان، التعليق الأولي الذي نراه على شفاه ملايين الناس، هو كيف ستصمد الهدنة؟ ومَن سيبدأ بكسرها أولاً؟ وماهي الحجج التي ستساق في هذا المضمار؟ وما إمكانات تجديدها؟ وهل هي هدنة من أجل فتح باب سلام وانهاء للحرب أم أيام لترتيب أوضاع معينة وطارئة واسقاط للعتب؟
المعيار الأول في الإجابة على هذه التساؤلات مجتمعةً، هو انّ أيّ فشل وخلل في هدنة تجريبية، سيلحق انهيارات كبيرة في الملفات الأكبر التي يخطط الجانبان التفاوض حولها وهي تخص الاسرى وفك الحصار عن قطاع غزة. وفي حال نجاح الهدنة فإنّ تجديدها يبدو مقنعا للطرفين والوسطاء أيضاً، إذا كان هناك توقّف مصاحب بشكل شبه كامل للفعاليات الحربية المتبادلة.
إسرائيل التي تهدد بأنَّها لن تقبل لغزة ان تعود لما قبل السابع من أكتوبر، تتناسى حقيقة انّ الفلسطينيين فرضوا واقعاً جديداً بات جزءاً من رحلة كفاحهم بحلوها ومرها، وسيكون ماثلاً امامهم في أي تفاوض مقبل. هذا الواقع الجديد هو مرتكز من مرتكزات ان تبقى رؤوس هذا الشعب على ارضه التاريخية مرفوعة للأبد