سجَّل القائد العسكري العبقري الصيني سون تزو (551 ـــ 496)ق.م أفكاره العسكرية ذات الأهمية الكبرى في كتابه الشهير (فن الحرب)، ويعدُّ هذا الكتاب (أول كتاب عسكري قديم في العالم)، وتأتي أهمية هذا الكتاب من أن المبادئ والأفكار التي جاءت فيه مازالت حية وقابلة للتطبيق إلى يومنا هذا، على الرغم من مضي أكثر من ألفي عام على تأليفه، وقد حدَّد سون تزو في كتابه هذا خمسة عناصر ثابتة تحكم فن الحرب، وهذه العناصر هي: القانون الأخلاقي، السماء (المناخ)، الأرض (التضاريس)، القائد، والنظام العام، ولو أمعنا النظر في هذه العناصر لوجدنا أن (القانون الأخلاقي) يتقدم على جميع عناصر الحرب، والمقصود منه هو الانسجام ما بين القائد والمحكومين.
ويحدد سون تزو سبعة أسئلة، يمكن عبر معرفة إجاباتها اكتشاف من سينتصر ومن سيُهزم من الجيشين المتحاربين، وتلك الأسئلة السبعة هي: أي من حكام الطرفين أكثر تمسكا بعناصر القانون الأخلاقي؟، أي من قادة الطرفين أكثر قدرة وتدميرا؟، لصالح أي الطرفين تميل عناصر السماء والأرض؟، أي الطرفين يتَّبع النظام العام بحذافيره؟، أي الجيشين أقوى معنويا وبدنيا وعتادا؟، ضباط أي الجيشين أكثر تدريبا واستعدادا؟، وأي الجيشين أكثر التزاما بمبدأ العقاب والثواب؟، ولو توقفنا عند هذه الأسئلة، سعيا نحو الوصول إلى استنتاجات محددة، لوجدنا أن الجيش الذي يحقق النصر هو الجيش الذي يتمسك بالقانون الأخلاقي، ويتَّبع النظام العام بحذافيره، والذي يتمتع قادته بقدرة أكبر وأكثر تدميرا، ويكون ضباطه أكثر تدريبا واستعدادا، والذي تميل عناصر السماء والأرض لصالحه، ويكون أقوى معنويا وبدنيا وأكثر وأقوى عتادا، ويكون أكثر التزاما بمبدأ العقاب والثواب.
إن كتاب (فن الحرب) الذي خطَّه سون تزو على سيقان نبات البامبو الطويلة، وكتبه بلغة مكثَّفة وبوضوح عال، امتزجت فيه النظرية بالخبرة الميدانية، فقد كان تزو القائد العام لجيش مملكة (تشي)، ويركز الكتاب على تحقيق النصر بوصفه الغاية الكبرى المنشودة، وفي الوقت نفسه يدعو إلى تجنب الهزيمة، فليس هناك ما هو أمرُّ من الهزيمة، ويبيِّن إمكانية تحقيق النصر مع تجنب القتال، وقد تألَّف (فن الحرب) من ثلاثة عشر فصلا، حملت العناوين الآتية: وضع الخطط، شن الحرب، الهجوم بالخداع، المناورات التكتيكية، الطاقة، نقاط الضعف، المناورة، تنوُّع التكتيكات الحربية، التحرُّك بالجيش، التضاريس، المواقف، الهجوم بالنار، واستعمال الجواسيس،
ويكشف مترجم الكتاب (رؤوف شبايك) أن قيادة الجيش الأمريكي كانت حريصة على أن يحمل كل جندي أمريكي من القوات التي شاركت في العدوان على العراق عام 1991 نسخة من كتاب (فن الحرب)، وأن بالإمكان تطبيق ما جاء في هذا الكتاب ليس في عالم الحرب وحسب، بل في عالم الاقتصاد والتجارة والسياسة والرياضة، وفي كل مجال تقريبا، وهذا ما يفعله الصينيون واليابانيون والكوريون الجنوبيون، فهل ستقوم مؤسساتنا العسكرية والأمنية بالاهتمام بهذا الكتاب العالمي الأثر ليكون مصدرا من المصادر المعتمدة في مؤسساتها وكلياتها التدريبية؟.