قالها أقرب الناس لي ومحبته في قلبي لاتوصف.. وياأسفي واكررها ولم أنساها.. مازالت فكرة اللجوء الى طبيب نفسي في عالمنا العربي غير مستساغة وغير مقبولة، فأول ما يفكر فيه المريض او المحتاج الى مراجعة هذا النوع من الاطباء، هو نظرة الآخرين له، لأن الطبيب النفسي مازال وللأسف يعني للكثيرين الجنون، وأن من يلجأ اليه فيه شيء من هذا المرض.
ولكننا اذا تعمقنا قليلا في دور الطبيب النفساني في علاج الحالات النفسية المختلفة، سنتوصل الى قناعة بأن هذا الطبيب ماهو الا بوتقة يفرغ فيها المريض كل ما يختزن داخله من أمور يرغب في الاعلان عنها، وامور لا يرغب في الاعلان عنها، اضافة الى أمور اخرى يحس أنها بمثابة سد يغلق الطريق امام احساسه بالسعادة، الا انه لا يعيها، او لا يدرك انها قد تكون هي السبب المباشر لحالة الكآبة التي يعيشها.
أن اللجوء الى الطبيب النفسي في العالم العربي بات ابسط من مراجعة طبيب الاسنان، او أي طبيب متخصص في اي مرض عادي، بل ان الكثيرين يلجأون الى الطبيب النفسي بمجرد الاحساس بتعكر مزاجهم، وان هناك امرا يخافونه ولا يعلمون ماهو، وبمجرد الجلوس على الكرسي امام هذا الطبيب، يبدأ المريض بسرد كل التفاصيل بما تحويه من أدق الخصوصيات، بسبب احساسه بالأمان والدفء، حتى يضع هذا الطبيب يده على الشرخ الذي أصاب مريضه من الداخل، ثم يقوم بوصف الدواء.
جلسات منتظمة
وغالبا ما يكون الدواء معنويا أكثر منه مادياً، أي بمعنى أن الجلوس والتحدث يومياً، أو خلال جلسات منتظمة، يعتبر بحد ذاته علاجاً، فكل ما يحتاجه هنا هو انسان يأتمنه على سره، انسان يعرف كيف يسمع وينصت بكل اهتمام، حتى يبدأ بجر الخيط من داخل المريض بحثا عن العقدة، وقد يشتد هذا الخيط بين الحين والاخر ويقارب على الانقطاع، وهي اللحظات التي يبدأ معها المريض بالبكاء او الصراخ لتذكر واقعة او حدث ما.. إلا أن هذا الخيط وبعد جلسات محددة حسب صعوبة الحالة، يبدأ في التفكك والخروج شيئا فشيئا، بعد أن يكون الطبيب قد نجح في ضبط القوة التي سحب بها هذا الخيط، متى يرخيه ومتى يشده، الى أن يحل العقدة، فيسهل المهمة وينسل باقي الخيط كله، فينساب بكل سلاسة الى الخارج، وهنا يحس المريض باستقرار وهدوء لم يشعر بهما من قبل، دون يعلم لماذا. ويلجأ الكثيرون الى الطبيب النفسي لمساعدتهم في كيفية التعامل مع مشكلة يواجهونها ولا يعلمون كيف يتصرفون ازاءها، فهم مترددون وخائفون من ان تنقلب النتائج عكسية عليهم اذا اختاروا الحل الخطأ، وكثيرا ما يحاول البعض تفريغ همومه والتحدث بشأنها لانسان قريب او عزيز، لأن ذلك بحد ذاته اداة من ادوات التخفيف عن النفس ومعاناته، اما اذا رفض المريض التحدث حتى لأقرب المقربين له، فهو بالطبع لن يصل الى حل، بل سيزداد حاله سوءا يوما بعد يوم، دون ان يدرك انه قد يصل الى مرحلة يصعب حلها او علاجها، ولا تشوبها أي شائبة بل انها تساعد كثيرا على التخلص من افرازات بعض المراحل التي يمر بها المريض بين حين وآخر، مسببة بعض القلق، الأمر الذي يستدعي التدخل العامل والسريع من المتخصصين والقادرين على توجيه المريض الى الأسلوب الصحي والعملي في التخلص من هذا الاضطراب والخوف، الذي غالبا ما يكون مبالغا فيه، وهذا في حد ذاته له اسبابه وعوامله.. أن الأمراض النفسية أصعب بكثير من الامراض العضوية، الأمر الذي يؤكد اهمية علاجها مهما كانت درجاتها او مستوياتها، فقد لا تمثل في بدايتها مشكلة كبيرة، الا ان اهمالها ورفض علاجها عند المختصين لأسباب غير منطقية دليل تخلف وعدم وعي عن الكثير. أما أنا فأعرف ما بي واعرف ما أريد وياأسفي لا يفهم المقابل ما اريد مغلوب على أمره وهذا ما يدمي قلبي ويجعلني اتكلم كثيرا لأريح نفسي مع كل حي لهم أنهم مني أنهم أملي أنهم حياتي كلها.