في سياق الدعوة الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة، كثيرا ما يطرح القراء السؤال التالي: كيف؟
وفي سياق الاجابة عن هذا السؤال لا اجد اوضح من قوله تعالى في القران الكريم:
“وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
تحدد هذه الاية ثلاث خطوات او مراحل للتغيير، يمكن اعتمادها حرفيا، ورسم خطة السير بموجبها، وهي كما يلي:
الخطوة الاولى: امة التغيير.
فالاية تقول:””وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ”. هذا المقطع من الاية الكريمة يدعو الى تكوين “امة”، اي جماعة من الناس تجمعها فكرة معينة، وفي حالتنا فان الفكرة الجامعة هي اطروحة الدولة الحضارية الحديثة. وهذه هي امة التغيير.
واختلف المفسرون في قوله “مِّنكُمْ”. ذلك ان “من” قد تكون بيانية بمعنى ان يكون جميع الناس امة بالوصف الذي سوف يلي، وقد تكون تبعيضية بمعنى ان يكون بعض الناس امةً بهذا الوصف. والجمع بين المعنيين ممكن. ففي البداية تكون “من” تبعيضية، بمعنى ان يكون بعض الناس امة التغيير، وفي مرحلة تالية من العمل تكون “من” بيانية، بمعنى ان يكون جميع الناس هم امة التغيير.
والدعوة الى تشكيل امة التغيير تستبطن وجود الارادة الى الدافعة الى ذلك. وهذا يعني ضرورة ان ينطوي الافراد المخاطَبون بهذه الدعوة على ارادة العمل للتغيير. وتوفر الارادة يعني اتصاف افراد هذه الجماعة بالقوة والعزيمة والايجابية والاستعداد للعمل والتضحية والثبات في طريق التغيير.
الخطوة الثانية: الدعوة الى الخير.
بعد تشكّل امة التغيير تنطلق عمليات الدعوة الى الخير. والخير في حالتنا هو اطروحة الدولة الحضارية الحديثة لانها تحمل الخير للناس، بوصفها الاطار القيمي والدستوري الذي يوفر افضل اشتغال للمركب الحضاري، لتصعيد انتاجية المجتمع وتحقيق عدالة التوزيع.
والدعوة الى الخير تتطلب التعاون بين افراد امة التغيير كما يقول القران الكريم: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”.
ويمكن ان تتخذ الدعوة الى التغيير اشكالا مختلفة، وتتبع طرقا وسبلا متنوعة بحسب المجتمع القائم. وتكون الدعوة في المجتمع الديمقراطي دعوة سلمية تستهدف اقناع الناس باطروحة الدولة الحضارية الحديثة، ومن اهداف الدعوة الى الاطروحة تمكين امة التغيير من ممارسة سلطة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما لايمكن ان يتحقق الا بوصول امة التغيير الى الخطوة الثالثة التالية.
الخطوة الثالثة: الامساك بالسلطة
تمثل هذه الخطوة ذروة العمل التغييري وذلك بتمكين امة التغيير من الامساك بالسلطة. والامساك بالسلطة خطوة ضرورية لبناء الدولة الحضارية الحديثة. ولا يمكن اتمام هذا العملية دون التمكين من السلطة، حيث سوف تستثمر امة التغيير ادوات السلطة، واهمها التشريع وانفاذ القانون، في بناء الدولة الحضارية الحديثة.
وفي المجتمع العراقي الذي ينص دستوره على فكرة التداول السلمي للسلطة لا يوجد طريق للامساك بالسلطة والوصول اليها الا الانتخابات. وهو طريق سلمي ودستوري ولا غبار عليه. وعلى امة التغيير ان تعمل على ذلك من خلال الانتخابات. وفوزها في الانتخابات هو ثمرة عملها في المرحلة الثانية السابقة. والفوز بالانتخابات يمكّن امة التغيير من ممارسة الدور التشريعي للدولة والدور الرقابي على السلطات القائمة. اما الفوز الساحق بالانتخابات فيمكن امة التغيير من تشكيل الحكومة ينفسها، وبذا تملك امة التغيير السلطتين التشريعية والتنفيذية وتكون هذه افضل حالة لاتمام بناء الدولة الحضارية الحديثة.
تقول الاية الكريمة ان السير في هذه المراحل سوف تكون نتيجته وثمرته الفوز والنجاح والفلاح:”وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”. ويتمثل النجاح في اقامة الدولة الحضارية الحديثة. وهذا بمثابة قانون تاريخي تشير اليه اية اخرى من القران تقول: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.”