كنا نلعبها بعيداً عن السياسة ونحن تلاميذ المرحلة الابتدائية بعد أن أدركنا شروط اللعبة من معلم التربية الرياضية ونحن في إنتظارالحصة بفارغ من الصبروالشوق اليها، وهاجس الخوف يعلو محيّانا بين هيبة المعلم داخل الصف وزخم الواجبات البيتية وإلإرشادات التي يلقيها مدير المدرسة في الإصطفاف الصباحي على مسامعنا مفعمة بالتهديد والوعيد، وتبدأ اللعبة بإطلاق الصفارة الأولى لنبدأ بالتسابق حول كراسي بعدد أقل من عدد اللاعبين وأعصابنا مشدودة في إنتظار الصفارة الثانية ليحجز كل لاعب كرسياً بالجلوس عليه وسط صيحات وضحكات وفرح ومرح، وتعاد اللعبة حتى يفوز لاعب واحد بآخر كرسي، دون أن ندرك مديات اللعبة سياسياً في وقتها .
واليوم في عالم السياسة لا يلعبون كما كنا نلعب بعفوية وبراءة غير مبالين بماهية الكراسي وقيمتها ولا كانت تعني لنا سوى مجرد لعبة ترفيهية للترويح عن النفس بعد عناء الدروس الأكاديمية، لكن دهاقنة السياسة وفطاحلها يلعبونها بمكر وخديعة ونفاق من أجل الوصول الى الكرسي بأي ثمن كان تنفيذاً لمبدأ المذهب الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، بعد تعافي العراق من عهد الثورات والإنقلابات العسكرية الدموية، والعملية السياسية برمتها لا تخلو من تسابق للحصول على مكاسب أكبر على حساب المواطنين من خلال ممثليها بعد تنامي ظاهرة الفساد في جميع مؤسسات الدولة، حتى وصل سعر كرسي البرلمان العراقي المعلن الى مليونين دولار وما خفي كان أعظم، في سابقة خطيرة لا مثيل لها في كل دول العالم التي تؤمن بالديمقراطية والتدوال السلمي للسلطة من خلال إجراء الانتخابات النيابية الدورية، والتمسك بالكرسي ظاهرة فريدة لا يلعبها الا سياسيوا الصدفة ومن فقدوا ثقة الشارع وكأنه ملك متوارث عن الأجداد ليصولوا ويجولوا بالمال العام دون وازع ضاربين بنود الدستور عرض الحائط ليؤسسوا دكتاتورية الديمقراطية التي ينادون بها دون أن يؤمنوا بمفهومها كونها دخيلة على السياسيين العراقيين، ولا يخفى ما يتداوله بعض الساسة من بيع وشراء المناصب السيادية حتى وضعت تعريفة لكل منصب بعيداً عن هموم ومعاناة المواطنين ليقبع السياسيون في وادي والشعب المغلوب على أمره في وادي آخر لا يدري ما يجري خلف الكواليس السياسية والغرف المظلمة من صفقات مشبوهة .
ليعي مراهقو السياسة معنى المثل العراقي (لو دامت لغيرك ما وصلت اليك)، فعلام التناحر على أمر زائل لا محالة بعد التسكع في أروقة الدجل والنفاق السياسي للحصول على مبتغى رذيل يباع ويشترى، كما يحدث في سوق النخاسة من بيع وشراء للذمم والتباهي بها بصورة غير شرعية ليكونوا أسياداً بعد أن كانوا عبيداً، وهل فاقد الشيء يعطيه ؟ .
دعوا الكراسي لأهلها ومستحقيها من الذين نالوا ثقة الشارع بجدارة ومن خلال نتائج الإنتخابات بعيداً عن التزوير، ليتمكنوا من إخماد فتيل الأزمة السياسية المفتعلة ويعبروا بالبلد الى ضفة الأمن والأمان والخروج من عنق الزجاجة الى فضاء رحب من الديمقراطية غيرالمزيفة وإمكانية تشكيل حكومة التوافق والشراكة السياسية التي ينتظرها الشارع العراقي على أحر من الجمر، بعيداً عن المضاربة بالكراسي والمناصب السيادية …
***