اقام النائب ( س.س.ع.س) دعواه بالعدد بالعدد (293/ اتحادية /2023) امام المحكمة الاتحادية العليا للمطالبة بالحكم بعدم دستورية المواد( 1/ثالثاً) و (2/اولاً) و( 5/ اولاً وثانياً) و(9) و(27) و(7/عاشراً) من قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل كونها تمثل مخالفة للدستور وتحديدا المادة (47) الخاصة بمبدأ الفصل بين السلطات والمادة (87) الخاصة باستقلال السلطة القضائية واختصاصها بتشكيل المحاكم القضائية ، والحقها بطلب اصدار امر ولائي مستعجل الى المحكمة لايقاف تنفيذ نصوص هذه المواد لحين حسم الدعوى الاصلية .

حسب التفصيل

وقد قررت المحكمة رفض هذا الطلب بموجب قراراها بالعدد (293/ اتحادية / امر ولائي /2023) في 26/12/2023 لعدم توفر عنصري الاستعجال والضرورة وحسب التفصيل الذي جاء به القرار ، والحقيقية نحن في هذا المقال لانحاول تقييم عمل المجلس بقدر ما نحاول الاجابة عما ورد في دعوى النائب الدستورية من اسانيد منطلقين وجهة نظر قانونية صرفة ومتجردة عن الاراء الشخصية ، ونقول ان بصدور قانون مجلس الدولة رقم (71) لسنة 2017 عد مجلس الدولة هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي إلا إن هذا الاستقلال غير مكتمل بسبب الاغفال التشريعي الذي شاب قانون التعديل الذي جاء بصورة مبتسرة جداً، اذ انه لم يتضمن تعيين المبادئ والضمانات الاساسية لاستقلال القضاء الإداري ، اذ لا زال المستشارين والمستشارين المساعدين في المجلس لا يتمتعون بالصفة القضائية إلا عند ممارستهم مهام القضاء الإداري، كما لا يتمتع اعضاء مجلس الدولة بالحصانة ضد العزل أو النقل ، وعدم تمتعهم بحصانة شخصية ضد الدعاوى المدنية بالتعويض النقدي عما يصدر منهم من افعال غير سليمة أو تقصير عند ممارسة المهام القضائية، وعدم وجود قواعد تنظم انتقاء المستشارين والمستشارين المساعدين وفقاً لمعايير النزاهة والاستقامة والخبرة حيث لازال اختيار اعضائة يخضع لاعتبارات بعيدة عن المعايير الموضوعية ، وكذلك عدم وجود نظام تأديبي خاصاً بأعضاء مجلس الدولة ينظم اتخاذ الاجراءات التأديبية بحقهم واجراءات الايقاف أو العزل والرد والتشكي وفقاً للمعايير المعمول بها للسلوك القضائي مما يجعل الاداء بمنأى عن الرقابة والتقويم  ، ومن المعروف ايضاً إن صدور هذا القانون دفع وزارة العدل باعتبار ان مجلس الدولة كان تابعاً لها ادارياً للطعن بعدم دستوريته لمخالفته الدستور ولتجاوزه على صلاحيات السلطة القضائية، وقد حسمت المحكمة الاتحادية العليا الطعن بموجب قرارها بالعدد (85/اتحادية/اعلام/2017) في 10/10/2017 برد دعوى وزير العدل (اضافة لوظيفته) كونها تفتقر للسند القانوني والدستوري حيث جاء في حيثيات قرارها (… من الرجوع إلى اختصاصات ومهام مجلس الدولة التي نصت عليها المادة (1) من قانونه نجد أنه اختص بالقيام بمهام (القضاء الإداري، الإفتاء، الصياغة)، ويقصد بها صياغة مشروعات القوانين والقرارات التشريعية، وهذه المهام والاختصاصات تختلف عن مهام واختصاصات مكونات السلطة القضائية المنصوص عليها في الدستور وفي مجموعة قوانين تنظيم القضاء، لذا فأن ربط مجلس الدولة بالسلطة القضائية لمجرد ورد ذكره في نهاية الفصل الثالث من الدستور الخاص بالسلطة القضائية، مسألة لا تمس جوهر الموضوع، وانما هي مسألة تنظيمية ليس إلا وبالتالي فلا تشكل مخالفة دستورية تبيح الغاء القانون موضوع الطعن، هذا من جانب ومن جانب اخر فان وصف (مجلس الدولة) بكونه (هيئة مستقلة) كما ورد في قانونه فأن ذلك نجد سنده في المادة (108) من الدستور التي اجازت استحداث هيئات مستقلة اضافية للهيئات المستقلة المنصوص عليها في المواد (102-107) من الدستور بحسب الحاجة والضرورة ويتم ذلك بقانون، وهوما أجراه مجلس النواب بموجب صلاحيته المنصوص عليها في المادة (61/ اولاً) من الدستور، بإصداره القانون موضوع الطعن (قانون مجلس الدولة) وعدم ربط هذا المجلس بالسلطة القضائية الاتحادية لاختلاف مهامها واختصاصاتها عن مهامه وعدم ورود ذلك في المادة (98) من الدستور التي عددت مكونات السلطة القضائية الاتحادية وليس من بينها مجلس الدولة، وكذا الذهاب إلى عدم ربطه بالسلطة التنفيذية توخياً لضمان حياده واستقلاليته حينما يتصدى قضاؤه الإداري للقرارات والاوامر التي تصدرها هذه السلطة، وبناءً عليه تكون دعوى المدعي (اضافة لوظيفته) فاقدة لسندها الدستوري والقانوني فقرر الحكم بردها…) ، ولنا على قرار المحكمة الاتحادية العليا الملاحظات الآتية :

سلطة تنفيذية

(1) إن القرار المذكور قرر استقلالية مجلس الدولة عن السلطة القضائية الاتحادية لاختلاف طبيعة ومهام واختصاصات مجلس الدولة عن مهام واختصاصات السلطة القضائية، كما إنه قرر استقلالية مجلس الدولة عن السلطة التنفيذية توخياً لضمان حيادية واستقلالية المجلس حينما يتصدى قضاؤه الإداري للقرارات والاوامر التي تصدرها هذه السلطة، ولم يحدد ارتباط المجلس بأي جهة اخرى كالسلطة التشريعية أو مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية ، كما لم يخضعها لرقابة مجلس النواب كما هو الحال في بعض الهيئات المستقلة.

(2) إن توجه المحكمة الاتحادية العليا باعتبار مجلس الدولة هيئة مستقلة استناداً لأحكام المادة (108) من دستور جمهورية العراق توجه يعزز استقلال القضاء الإداري في العراق، وكان من الأوفق لو نص المشرع العراقي في قانون مجلس الدولة رقم (71) لسنة 2017 على كون المجلس (هيئة قضائية مستقلة) كما فعل المشرع المصري ولا يقدح ذلك من مهام واختصاصات مجلس الدولة الأخرى، اذ ان مجلس الدولة المصري يمارس ايضاً مهام الفتوى وصياغة مشاريع القوانين ، وعلى الرغم من ذلك يمكن القول بأن قانون مجلس الدولة العراقي قد خطى خطوة جريئة نحو الاستقلال العضوي والوظيفي للقضاء الإداري يفوق حتى مجلس الدولة الفرنسي الذي لا يزال مرتبطاً بالسلطة التنفيذية، إذ إن رئاسة مجلس الدولة الفرنسي معهودة لرئيس السلطة التنفيذية ويحل محله في حالة غيابه (وزير العدل)، ويفسر رئيس السلطة التنفيذية الوارد بالأمر الصادر في 31/يوليو/1945 المعدل برئيس مجلس الوزراء ، وبالرغم من ان رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل لا يشاركان بالمداولات الخاصة بإصدار الأحكام ويتولى رئاسة المجلس من الناحية الفعلية وكيل مجلس الدولة وفي حالة غيابه أقدم رؤساء الاقسام، إلا ان المجلس تابع من الناحية العضوية إلى السلطة التنفيذية وهذا يشكل تهديد لاستقلال المجلس .

(3) من الثابت في فرنسا ان الهيئات أو السلطات المستقلة ذات طبيعة خاصة ناشئة من ارتباطها بالسلطة التنفيذية فلا تعد سلطة رابعة إلى جانب السلطات الثلاث المعروفة (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، اذ انها تعد هيئات دستورية وإدارية في الوقت ذاتهِ ، اما الهيئات المستقلة في الولايات المتحدة الامريكية فهي تخضع لرقابة واشراف رئيس الدولة بحكم طبيعة النظام السياسي الذي من شأنه جعل كافة الهيئات والوكالات المستقلة مسؤولية امام رئيس الولايات المتحدة الامريكية، أما مجلس الدولة العراقي فنراه اقرب إلى السلطة القضائية، اذ ان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 قد أخذ بنظام القضاء المزدوج عندما اجاز تشكيل مجلس الدولة بموجب المادة(101) منه، كما ان ورود هذه المادة ضمن (الفرع الثالث/ احكام عامة) من (الفصل الثالث/ السلطة القضائية) ليس مجرد صدفة أو مجرد مسألة تنظيمية كما ورد بقرار المحكمة الاتحادية العليا آنف الذكر، ذلك ان القضاء العادي يمثل جهة قضائية مستقلة والقضاء الدستوري يمثل جهة قضائية مستقلة والقضاء الإداري يمثل جهة قضائية وهذه الجهات القضائية الثلاث يفترض ان تكون تحت مظلة السلطة القضائية، ونرى ان المشرع الدستوري أخطأ بتعداد مكونات السلطة القضائية الاتحادية، وكان من الاوفق لو أكتفى بالنص على ان السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفق القانون، وأن ينص كما فعل المشرع الدستوري المصري في المادة(185) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 2014 التي جاء فيها.

 

(تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها ويكون لكل منها موازنة مستقلة، …).

 

وبذلك يمكن ان تضم السلطة القضائية جهات القضاء العادي والإداري والدستوري ولكل جهة قضائية تنظيمها الخاص حسب طبيعة عملها ففي مصر عد القانون المصري مجلس الهيئات القضائية جهة تنسيقية وراعية لعمل الهيئات القضائية ، حيث نصت المادة (الأولى) من قانون مجلس الهيئات القضائية المصري رقم (193) لسنة 2008 على ان (يشكل مجلس للهيئات القضائية يرعى شؤنها المشتركة، ويتولى التنسيق بينها، ويناط به، كذلك، التنسيق في الامور المشتركة الواردة في اي قانون بما لا يمس اختصاصات المجالس العليا لهذه الهيئات) ، وهذا يجنبنا اصدار تشريعات لإضفاء الصفة القضائية على عمل المجلس ومستشاري المجلس والمستشارين المساعدين وما يترتب على ذلك من ضمانات وحصانات وامتيازات تعزز الاستقلال الشخصي لهم ، لما تقدم فأن المحكمة الاتحادية العليا لها رأي سابق في تشكيل واستقلالية مجلس الدولة ونتوقع ان ترد الدعوى لسبق الحكم بنفس موضوعها  …والله الموفق .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *