في العلاقات الدولية ، القطبية تمثل أياً من الطرق المختلفة التي توزع فيها السلطة داخل النظام الدولي ، حيث تصف طبيعة النظام الدولي في أي فترة زمنية معينة ، يتميز أحدهما عموماً بثلاثة أنواع من الأنظمة : أحادية القطبية ، ثنائية القطبية ، ومتعددة الأقطاب لأربعة مراكز أو أكثر من مراكز القوة.
يعتمد نوع النظام أعتماداً كاملاً على مبدأ توزيع كلٍ من القوة ونفوذ الدول في منطقة ما ، أو على مستوى العالم ككل.
وتميزت الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بنشوء القطبية الثنائية في العالم ، القطب الأول يتمثل بأمريكا وأوروبا والدول المتحالفة معها ، والقطب الثاني هو القطب الأشتراكي الذي كان يقوده الأتحاد السوفيتي المتكون من اتحاد 15 دولة أضافة الى سبع دول ضمن حلف وارشو ، وما يتبعه من الدول التي تعتنق المبدأ الأشتراكي في العالم.
ومثل أنهيار الأتحاد السوفيتي وتفككه عام 1991 ظهور القطبية الأحادية وتفرد أمريكا بقيادة العالم ، وبدأت مرحلة الهيمنة الأمريكية على العالم أو ما سمي “قوة بحرية المياه الزرقاء” ، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية سيطرت على جميع البحار العالمية ، حيث ان ما أنفقته الولايات المتحدة الأمريكية على دفاعاتها يقترب من نصف النفقات العسكرية العالمية.
الا أن هذه القطبية الأحادية ذهبت بالعالم الى الفوضى وهيمنة أمريكا على جميع مقدرات العالم ، وأصبح العالم أكثر خطورة بسبب المغامرات الأمريكية في أفغانستان والعراق والخليج وشمال أفريقيا ، كون أن هذه الهيمنة تعتمد على قهر الشعوب بالقوة والأستيلاء على الثروات لصالحها هي فقط ، والجميع أصبحوا تابعين الى سياستها وليس لهم رأي او حق الأعتراض ، وظهر هذا التململ حتى من بعض الدول الأوربية الحليفة لأمريكا التي وجدت نفسها تابعة الى أمريكا تنفذ سياستها وتبتعد كثيراً عن مناطق نفوذها القديمة ، وتتخلى شيئاً فشيئ عن مواقعها القديمة لصالح أمريكا طواعية.
اليوم تبرز عدة مراكز للقوى عالمياً ، تقف في مقدمتها الصين بقوتها الأقتصادية والبشرية الهائلة والمنظمة ، حيث أن قوة الأقتصاد الأمريكي مع سائر حلفائه لم يستطع الصمود أمام الزحف الصيني ، ليغزو العالم كله بما فيها أمريكا نفسها.
وبالرغم من أن الصين لا تدعم القطبية الأحادية أو الثنائية ، ولم تكن يوماً جزءاً من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والأتحاد السوفيتي رغم طبيعتها الأشتراكية.
فالصين تدعم اليوم فكرة نظام عالمي متعدد القوى يكون الأقتصاد هو المحرك الرئيسي للعالم بدل الهيمنة العسكرية ، لذلك نجد ترحيب واسع بالنفوذ الصيني ، وهناك دول عديدة في العالم تدعو الصين للتواجد والأستثمار في أراضيها ، لأنها تدرك جيداً أن الهيمنة الصينية بمفهومها الجديد يختلف كلياً عن مفهوم الهيمنة الأمريكية المتغطرسة ، فالصين تدعم الحكومات الناشئة وتدفع بأموال أستثمارية ضخمة في الدول المشاركة معها لتخلق وحدة أقتصادية عملاقة قائمة على أساس الشراكة والمنفعة المتبادلة.
البعض ينظر الى العلاقة بين الصين وأمريكا على أنها عودة للقطبية الثنائية ، بأن تحل الصين محل الأتحاد السوفيتي السابق ، الا أن هناك قوى أخرى فاعلة ولها تأثير على النظام العالمي الجديد مثل روسيا وأيران وتركيا ، أضافة الى الدول الآسيوية التي أصبح لها شأن عالمي كبير بسبب أقتصادياتها الكبيرة.
هذه المفاهيم المتعاكسة لشكل القطبية العالمية قد يؤدي الى التصادم بين القوى الكبرى في العالم ، فدولة مثل أمريكا لن تتنازل بسهولة عن القطبية الأحادية للصين أو لروسيا ، وحتى لدول اخرى مثل أيران ، وهذا يدفع العالم الى الصدام المسلح ، وما يحدث في أوكرانيا اليوم هو أولى بوادر هذا الصدام المسلح ، وقبلها كانت مواجهات غير معلنة بين أمريكا وأيران ، وقضية تايوان يمكن أن تدفع أمريكا الى مواجهة مباشرة مع الصين.
وهكذا يتشكل النظام العالمي الجديد على أساس صراع القوى الكبرى ، ليبقى الأقوى هو الذي يحكم العالم سواء صاخب نظرية القوة العسكرية ، أو صاحب نظرية القوة الأقتصادية ، فوفقاً لمنطق الغرب ليس بوسع بلد قوي الا أن يناضل من أجل الهيمنة ، وسيحارب حتماً القيم البديلة.
فالقوة القوية تعادل الهيمنة وتصبح قيمها عالية ، وهنا يظهر أيضا تناقض بين المنطق الذي يسترشد به الغرب والمنطق الذي تسترشد به الصين ، فوفقاً للنهج الصيني ، لايوجد بالضرورة أرتباطاً مباشراً بين دولة قوية وسياسة القوة ، وأن القوة القوية لا تلتزم بالضرورة سياسة الأحادية أو تسعى جاهدة للهيمنة.