توجهت في الصباح الباكر إلى إحدى الدوائر العراقية لإتمام معاملة خاصة بي ، و وصلت إلى موقع الدائرة في الساعة التاسعة و لم اكن اعلم مكانها في الموقع تحديدا ، ولكن ما أرشدني اليها هو « طابور الانتظار الطويل على بوابة الدخول الخاصة بها « و الذي يعتبر إشارة دالة خاصة بكل دائرة او وزارة عراقية . وقفت في الطابور شأني شأن غيري من المراجعين للوصول الى الباب وتفتيشي قبل الدخول ، و عند وصول دوري قام رجل الامن عند البوابة بتفتيشي ، ونظرا لما رأيت في عدة بلدان زرتها و تحترم شعوبها ، فانهم يستخدمون بعد الانتهاء من التفتيش بعض المخاطبات الأدبية كان الموظفون العراقيون يستخدمونها ايضا مثل « تفضل بالدخول « او « تستطيع ان تدخل « ، لكن للاسف هذه المخاطبات لم تعد موجودة اليوم في الشارع العراقي و ساد بدلا منها لغة العجرفة و إللاذوق ، فأذا بموظف التفتيش و بعد الانتهاء من تفتيشي يقول لي « ادخل « « فوت « باللهجة العراقية العامية ، و بنبرة تخلوا من اي احترام كأن بيني وبينه عداوة . على اية حال تجاوزت محنة الدخول و التفتيش ووصلت إلى «الاستعلامات» حيث المراد من المراجع تسليم هاتفه الجوال إلى الموظفين فيها .
فأذا بذات الحال في التفتيش يتكرر معي في الاستعلامات ، توجيه عبارات مثل
«حامل تلفون « « اترك تلفونك هنا « باللهجة العامية
«شايل تلفون» « ذب تلفونك هنا» و بذات اسلوب التفتيش من حيث نبرة الصوت القبيحة و النظرات التي تنم عن الاستعلاء و الغطرسة على المواطن من قبل الموظفين ، فأين انتم من قوله تعالى « و لا تصعر خدك للناس « « ان الله لا يحب كل مختال فخور « « واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الأصوات لصوت الحمير «، والحديث الشريف «تبسمك في وجه اخيك صدقة» الخ . بعد اجتياز الاستعلامات تدخل الى صالة مغلقة خاصة بالمراجعين لا تتسع لأكثر من عشرة اشخاص و أماكن جلوس فيها ان وجدت فهي مهترئة و قديمة و غير مريحة البتة . ستجد المراجعين في هذه الصالة مكتظة بالمراجعين ، و يأتي اليهم كل ١٠ دقائق الى ١٥ عشر دقيقة شخص من الدائرة لا تعرف مسماه الوظيفي يجعر بصوته على المواطنيين بغية تنظيم طابور بشكل معين بطريقة انقرضت منذ قرون ،، فالعالم المتحضر اليوم يستخدمون ماكنة رقمية يسحب المواطن منها رقما معينا خاص به و يجلس حتى ينادي الموظف على رقمه ،، لا اعرف ما الصعب بجلب مثل هذه الماكنة في بلد مثل العراق ميزانية كل وزارة فيه تعادل ميزانية بعض الدول !!! . بعد انتظار ٣ ساعات او اكثر و بقدرة الله ولطفه وصلت الى الموظف المختص بمعاملتي . الموظف سيجعلك تشعر بأنه يمن عليك كونه يقوم بأجراء اللازم لمعاملتك ، و حين سؤاله عن امر معين يجيب
« من طرف مناخيره « بحسب اللهجة العامية ، في حين ان خدمة المراجعين و الإجابة عن اسألتهم الخاصة بمعاملاتهم هو من صلب عمله الذي يتقاضى عليه راتبا من الدولة ، هذا بغض النظر عن انعدام الذوق و الاحترام في طريقة طرح السوال على المراجع استكمالا للأسلوب المتبع عند التفتيش و الاستعلامات . تحركت معاملتي بعد إنجازها من الموظف الاول و عند سؤاله إلى اين اذهب الان باعتباره «موظف « الدائرة « مكان عمله الذي يقضي وقته يوميا ، يجيبك « لا ادري اذهب إلى هناك « و هناك هذه لا على التعيين يعني انها لا تشير لمكان او شباك معين و إنما لصرفك فقط .
ملاحظة : سترى اشخاصا معينين لن يجري عليهم ما جرى لك و لا كم الوقت الذي قضيته في إنهاء معاملتك ، هولاء يخرج شخص من داخل الدائرة «يكودهم» من أيديهم
(يكودهم =يقودهم ) ، الى الموظفين لإنهاء معاملة الشخص وهو حامل للمعاملة و مصطحبا اياه ، يتهامس مع الموظف وتدور بينهما ابتسامات و يستذكران بعض لحظاتهما الكوميدية ، ثم يتم ختم معاملة الشخص المصطحب خلال ثوان امام أنظار المواطنين المساكين الواقفين بالطابور لساعات .