-1-

لا يستطيع المنصف نكران فضل الأساتذة على طلاّبهم .

وغالباً ما يحفظ النجباء من الطلاّب حقّ اساتذتهم في التبجيل والحُبّ والاحترام ، وليس ثمة من سقف محدد لهذا الاحترام، فهو ممتد وباقٍ على مدار الأيام ، وحين يُفجع الوفيّ من الطلاب بوفاة استاذه يُسارع الى رثائه بقلب حزين ودمع ساخن .

قال الزمخشري – صاحب الكشاف – في رثاء استاذه أبي مضر :

وقائلةٍ ما هذه الدررُ التي

تَساقَطُ مِنْ عينيكَ سِمْطَينِ سِمْطَيْنِ

فقلتُ لها الدرُّ الذي كان قد حشا

أبو مضرٍ أٌذني تساقط مِنْ عيني

-2-

المرحوم آية الله السيد محمد حسين السيد سعيد الحكيم – وهو أحد أعلام الحوزة العلمية في النجف الاشرف – درستُ عنده كتاب (البيع) مِنْ (مكاسب) الشيخ الانصاري – كان في غاية الفضل والاقتدار العلمي ، وكان درسه الفقهي ممتعاً نافعاً الأمر الذي جعلني مديناً له فقد استفدت كثيراً من افاضاته العملية وشروحه الدّالة على الفضل والألمعيّة .

توفي وانا في لندن ، وجاءني ولده السيد عبد الأمير الحكيم طالباً مني رثاءه وكنت يومها مصابا بوعكة صحية ألزمتني الفراش .

وكان لي في حفل التأبين الأربعيني خطابٌ ضافٍ تحدثت فيه عنْ سيرته ومناقبه وجزيل فضله، ثم قرأت هذه القصيدة في رثائه كان ذلك يوم الأحد 4 جمادى الأولى سنة 1410 هـ ، 3 /12 /1989 :

تجثو على صدري الهمومُ وتجثمُ

ويُقام في قلبي لِرُزْئِكَ مأتمُ

وَيَلُفني الصمتُ الرهيب مُبّرِحَاُ

والصمتُ إنْ عظمُ المصابُ تَكلُمُ

وتجولُ في ذهني الخواطرُ جمّةً

والذكرياتُ طيوفُهَن تُحُوّمُ

وتلوحُ أيامُ ( الحكيمِ ) نديةً

بالفضل والفوحِ المحببِ تُفعمُ

كانت ثِمارُكَ وهي رائعةُ الجنى

زاداً به تغذو العقولَ وتُطعمُ

قد كنتَ تغمسها بِطيبكَ والندى

وبزاهرِ الثمراتِ يحلو الموسمُ

وخلدتَ في قلبِ الزمان مناقبا

إنَّ المناقبَ للخلود السُلّمُ

وكفاك مكرمةً بأنكَ رائدٌ

صلّى عليك الطيبون وسلّموا

أرثيك مُنْتهبَ الحنايا مُوجَعَاً

وانا الولوعُ الثاكلُ المتألِمُ

أودى باستاذي الردى فتجمعتْ

سُحُبُ الشجونِ وجَنَّ ليلٌ مُظْلِمُ

وتناثرت قِطَعُ الفؤاد لِفَقْد مَنْ

كنّا بِطلعتِه الوضيئةِ نَنْعُمُ

ورفضتُ صمتي وانطلقت مُدَمدِماً

وأغص بالزفرات حين أدمدمٌ

وتضجُ لاهبةُ الحروفِ مروعةً

وتنوحُ في حُزنٍ عليك وتلطمُ

تبكي السماحةَ الرجاجةَ والتقى

تبكي المكارمَ وهي فيك تجّسَمُ

تبكي الأبوةَ في أعزّ سماتِها

تحنو وتبعثُ دِفْئَها وتُقوّمُ

إنّ (الحكيم) تواصلت عظماتُه

وَبِطُهْرِهِ ابتدأتْ وليستْ تُختمُ

###

بالعلم والمثل الرفيعة أُقسمَ

إنْ الحكيمَ حُصونُه لا تُهدمُ

ما فارقتني منذُ فَقْدِكَ لوعةٌ

راحت عواصِفُها تهبُ وتَهجمُ

ويحوطني (اليتم) المؤرقُ مضنِيا

والقلب ينطقُ بالفجيعةِ لا الفمُ

قد راعني الخطبُ الفظيع وإنّ لي

قلباً يذوبُ ومهجةً تتضرمُ

شيّعْتُ فيك معارفاً ومواقفا

أنّى يُصورها البيانُ ويرسمُ

قد كنتَ للنجفِ المعظمِ مَعْلَمَاً

طابتْ روائِعُهُ وطابَ المَعْلَمُ

طُويتْ بيومك للفقاهة صفحةٌ

غرّاءُ توجها النُبوغ الملهمُ

إنْ يُثخَن القلبُ الكبير بجرحه

فلقد تلقاك الوسامُ الأعظمُ

ما مات مَنْ ملأ الزمان مفاخراً

وتلألاتْ بسنا هُداهُ الأنجُمُ

وأتيتُ يوم الأربعين مُجَدِدَاً

عهداً يفيضُ به مِن العَيْنِ الدمُ

 

[email protected]

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *