جاءت على البلد فترة سادت فيها فوضى مسميات كبيرة ذات مضامين جوف، من تلك المسميات والعنوانات مراكز البحوث والدراسات. وكان لشخصيات وأحزاب سياسية الكثير من تلك المراكز، وسمعنا ورأينا متحدثين في وسائل الاعلام ينطقون بأسماء المراكز، لاسيما في مواسم تسويق الحكومات او الأسماء في الانتخابات، في منحى مختلف مائة بالمائة عن أساسيات قيام مركز أبحاث.
اليوم همدت تلك الموجة الضالة المضلة البلهاء، ولم نعد نسمع الا نادرا عن مركز بحوث، فيما لا نجد بشكل شبه مطلق أيّاً من ثمار مفترضة تفرزها الأبحاث والدراسات المرتبطة بالمراكز فضلا عن انعدام وجودها غالباً.
بلا شك انَّ بعض المراكز كانت باباً للتمويل وأغطية للفساد ومساحات للعمل السياسي.
في الجانب الاخر، تعتمد حكومات في دول متقدمة على الأبحاث النوعية التي تجريها مراكز بحثية واكاديمية تتعاقد معها من أجل تصويب اتجاهات اتخاذ القرارات المهمة لاسيما في المجالات الاقتصادية والخدمية والتخطيطية. وهذا من أساليب عمل الحكومات الديمقراطية في العالم.
في واقع الحال ،كانت هناك مراكز أبحاث مرتبطة بالجامعات العراقية منذ سبعينات القرن الماضي وما بعدها، لكن النتاج في تلك الفترة كان جهدا فرديا واكاديميا لا تعير له حكومة تمثل «القائد والحزب والثورة» والمعزوفات الطربية المتصلة بها اية عناية في ظل مرحلة سيئة لم تستطع المرحلة التي تلتها ان تأتي بما يغير واقع حال الإفادة من جهد الأبحاث في اتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع البنائية للبلد.
هناك فهم ساذج لدى بعض الأجهزة الحكومية، ومنها وزارة التخطيط في انّ الاستبيانات الميدانية تؤدي الفائدة المنشودة في أبحاث ميدانية ونظرية معمقة. كما انّ هناك مَن كان يظن انَّ المركز التابع للحكومة هو لسان ناطق للدفاع عن سياساتها في الفضائيات.
ما لدينا بعيد كل البُعد عن الصيغ الصحيحة لقيام مراكز أبحاث ذات أسس علمية وغير خاضعة لضغوط الممولين أو الداعمين، وانّ ذلك ربّما يحتاج الى تشريعات تقر مبررات وأسباب وأساسيات انشاء المراكز، مع توفير عناصر حمايتها وتوفير استقلاليتها.
إنّه موضوع واسع يحتاج الى نقاشات دقيقة، لكن ما نراه في واقع البلد لا يوحي بانَّ هناك اهتماماً بهذا الجانب بما يوفر ضمانات تؤهل صاحب أي قرار أن يسير في طرق مضاءة وليس حاله كما اليوم مثل حاطب ليل.