ليس بوسع البرلمان الجديد -الحالي- بسطُ سلطتهِ في المساءلة الدستورية ، المنصوص عليها في المادة (61) من الدستور ، على حكومة تسيير الأمور اليومية الحالية ؛ وذلك للأسباب الآتية:
1- إنَّ حكومة تسيير الأمور اليومية هي حكومةٌ منتهيةٌ دستورياً ، ليس لها من الأمر شيءٌ سوى حفظ الأمن وتسيير الأمور اليومية الجارية ، وكلُّ ما عدا ذلك من صلاحياتٍ دستوريةٍ منزوعٌ منها .
2- ليس البرلمانُ الجديد -الحالي- هو مَنْ منحَ الثقة إلى هذه الحكومة ؛ لذا لا مكنة له بسحبها منها ؛ لأنَّ سلطته تقتصر على الحكومة التي منحها الثقة هو لا مَنْ منحها غيره. فهي لم تنشأ من رحمهِ ، ولم تلتزم قِبلهُ بالمنهاج الوزاري.
3- إنَّ مدة الولاية الدستورية للبرلمان والحكومة محددةٌ بنصوصٍ صريحةٍ ، وكلاهما يلتزم حيال الآخر بالتزاماتٍ دستوريةٍ. فالأول -البرلمان- يمنح الثقة للثاني ثم يمكنه سحبها منه ، والثاني -الحكومة- بوسعهِ تقديم طلبٍ مشترك مع رئيس الجمهورية يطلب فيه حلَّ الأول – البرلمان-.
وبضرسٍ قاطع أقول إنَّ هذه الالتزامات قد سقطت مع زوال الأول -البرلمان- وبقاء الثاني -الحكومة- ؛ لذا لا غرو أنَّ هذه الحكومة قد تحولت تلقائياً وبقوة الدستور إلى حكومة تسيير أمورٍ يوميةٍ بعد زوال مَنْ منحها الثقة ؛ ولا يُغيرنَّ من الأمر انتخاب برلمانٍ جديد ، فهذا البرلمان انتُخب ليختار حكومةً جديدةً ، لا ليُسائِلَ حكومةً منتهيةً.
4- إنَّ من المعروف أنَّ النتيجة التي قد تفضي إليها مساءلة الحكومة برلمانياً ، سواءٌ أكانت سؤالاً أم استجواباً ، ونحوهما -بحسب الآليات الدستورية المعروفة- ، إنما تتمثلُ في سحب الثقة منها ، لتغدو بعد ذلك مستقيلةً ، ريثما يتم انتخاب أخرى جديدةٍ. والسؤال الذي يُطرح هنا : ما جدوى تلك المساءلة إنْ كانت هذه الحكومة هي منتهيةً بالأساس وبمنزلة المستقيلة بحسب الدستور !!
5- ولعل سائلاً يسأل : إنَّ الأخذ بهذا الرأي سيجعلُ هذه الحكومة بمنأى عن المساءلة والرقابة ، فكيف يمكن القبول بذلك ؟
ونجيب عن هذا الإشكال بإيجازٍ شديدٍ :
أ- لقد كان الدستور واضحاً ودقيقاً جداً بإزاء هذه الأمر ، إذْ وضع مدداً محددةً وقصيرة المدى بغية تأليف الحكومة الجديدة ، بيد أنَّ الفرقاء السياسيين بسبب خلافاتهم السياسية قد تجاوزوا هذه المدد والتوقيتات، فضربوا الدستور عرض الحائط ؛ لذا عليهم أنْ يتحملوا هذه النتيجة ، واللوم عليهم لا على الدستور !!
ب- إننا وإنْ قلنا بعدم إمكانية مساءلة هذه الحكومة من قبل البرلمان الجديد ، بيد أنَّ ذلك لا ينفي البتة إمكانية مساءلتها ومحاسبتها على وفق القانون ؛ إذْ يمكن للمؤسسات الرقابية والقضاء بسط الرقابة عليها ومحاسبتها عن أي فعلٍ يمثل خرقاً أو فساداً ، فضلاً عن رقابة الرأي العام ؛ وبالمحصِّلة إنَّ هذه الحكومة ليست بمنجاةٍ من المساءلة والمحاسبة.
{ خبير في الدستور العراقي