لعل الطريف إن الصين تنتج كمية هائلة من القمح جعلتها تتصدر القائمة الدولية للبلدان الأكثر إنتاجا، لكن روسيا هي الاكثر ربحا ، لكن الصين تستورد بمئات الملايين من الدولارات من مادة القمح لأن منتجها يستهلك محليا، في حين تحصل روسيا على أرباح تفوق ماتحصل عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتمد بلدان عدة في العالم على القمح الروسي الذي يسد حاجتها، وتكاد تعتمد عليه كليا، ومن الصعب عليها البحث عن مورد بديل عن روسيا، في حين تدخل أوكرانيا ضمن قائمة الدول المنتجة بفارق كبير عن روسيا التي تتقدم عليها، وفي حال حدث أمر ما كما هو الحال الراهن فإن إمدادات القمح ستقل كثيرا مع الحظر الذي قد تعلنه موسكو على صادراتها الى الخارج وكذلك صعوبة الشحن، وإمتداد الحرب الى مساحات شاسعة من أوكرانيا التي تنتج القمح بكمية منافسة.
لايتوقف الأمر عند هذا الحد، فروسيا تصدر النفط والغاز بمايزيد على التمانماية مليون دولار يوميا الى بلدان اوربية أعلنت مقاطعتها لروسيا، ودعم الحليف الأوكراني، واللافت إن الرئيس بوتين مايزال يسمح بمرور الغاز عبر أنانبيب تمر في الأراضي الأوكرانية الى أوربا، وتستفيد منه أوكرانيا بالرغم من إشتداد المعارك بين الجانبين، حيث يحبس العالم أنفاسه خشية من توقف إمدادات الغاز والقمح، أو أن يتوسع النزاع ليشمل بلدانا أخرى، أو أن يصاب أحدهم بجنون مؤقت، فيضغط على الزر النووي، وتحدث الكارثة التي تعيد الى الذاكرة قنبلتي هيروشيما وناكازاكي، والإنبعاثات القاتلة من مفاعل فوكوشيما وتشيرنوبل حيث يواجه العالم سيناريو رعب يتضمن مشاهد الجوع والموت والنزوح والهجرة وغياب الأمل في نفوس الناس.
كنت أود وسم هذا المقال بعنوان (معركة الخبز) ولكنني أستعير من موقف الأمين العام للأمم المتحدة السيد انتونيو غوريتش وصفه لمخاوفه من الحرب الحالية والذي أشار الى عبارة قيمة بعنوان ( إعصار الجوع) فالبلدان المنتجة للقمح تقع في قائمة البلدان المستهدفة والقلقة، وتلك التي يمكن أن تكون حليفا لطرفي النزاع ككندا وكازاخستان والصين والهند والولايات المتحدة، ومن البديهي ان تكون مخاطر مواجهة الجوع حاضرة مع إشتداد المعارك والسخونة التي عليها الأحداث، وعدم قدرة الحكومات على توفير الأموال الكافية لتمويل صفقات الشراء في بلدان لاتمتلك موازنات مالية حقيقية، وهو الأمر الذي يتطلب إجراءات إستثنائية من عواصم عربية وشرق أوسطية سيضربها إعصار الجوع.