تشكل العاطفة والعقل ركيزتان مهمتان في تشكيل وبناء سلوك الإنسان، و كثيراً ما يُواجه الإنسان صراعاً داخلياً بين عقله وعاطفته، ينتج عنه قرارات مصيرية ترسم مسار حياته المستقبلي ايجابا ام سلباً.
تناولي للعلاقة بين العاطفة والعقل لم يكن نابعا من ترجيح كفة أحدهما ! بقدر البحث في كيفية خلق توازن منطقي ينتج عنه حياة طبيعية ينعم فيها الإنسان بحيز من الهدوء والتعايش والاستمرارية ؛ فكيف الحال حينما نبحث عن هذا النوع من التوازن وسط فئة مختلفة من الأفراد، وهم المفكرين والفلاسفة الذين تميزوا بالعلم والمعرفة ، وصاروا مختلفين بطروحاتهم وتحليلاتهم لمجمل مفاصل الحياة.
المتابع لسيرة المفكرين والفلاسفة يجد أن غالبيتهم كانت حياتهم الشخصية غير مستقرة مع غياب مقصود او غير مقصود للعاطفة، ولعل لنا في أهم العقول الفرنسية، الكاتب والأديب والفيلسوف جان جاك روسو ، خير مثال فقد عاش جل عمره مع امرأة لم يحبها، وعلى الرغم أنه من أكثر الذين كتبوا عن تربية الأطفال، فقد أودع أبناءه الشرعيين أحد الملاجئ ! في حين نجد ان ساندرا ستيفنز زوجة جان بول سارتر كانت داعمة كبيرة لزوجها سارتر، رغم علاقته المعقدة معها وكانت تقبل أدوارًا ثانوية في حياته وتهتم بشؤونه اليومية، مما أتاح له التركيز على أعماله الفلسفية.
اما المفكر اليساري الأشهر كارل ماركس ، انتهت حياته بشيخوخة غير مطمئنة، وماتت زوجته جيني قبل وفاته بعام، ويُقال إنه عندما ذهب هو وأولاده الستة لكي يدفنوها، عثر فوقع في حفرة قبرها، ومنذ ذلك الوقت إلى يوم وفاته، انطفأت حماسته ، ولم يعد يهتم بشيء، ولعله قد يكون اكتشف متأخرا دور زوجته في تفوقه الفكري وانه خسر اهم حافز للعمل والإنجاز حيث كانت شريكة فكرية لماركس وشاركت في العديد من أفكاره الثورية.
زوجة سقراط
اسمها زانتيب وتعد أكثر الزوجات تعاسة ، فلقد تزوجت أستاذها سقراط بعد أن هامت بحبه ، ويبدو أنها انبهرت بشئ ما فيه ، ولكنها بعد ذلك صارت تعيب عليه إهماله لشؤون الأسرة ، الأمر الذي جعلها دائمة الشـجار معه .
فهل كان عليها أن تدفع ثمن العيش مع سقراط غريب الأطوار والزاهد في متاع الدنيا كي ينعم البشر بفلسفته ، وما ذنبها وذنب أولادها ؟ ولعل لمقولة الفيلسوف والشاعر والملحن والباحث نيتشه عبرة حيث قال «إن الفيلسوف الحقيقي يرفض الارتباط ويتهرب منه بكل هلع ورعب» ، وقد يتساءل المرء: ما الذي يدفع نيتشه لقول ذلك، وهو الذي عرفت عنه صلته مع حبيبته سالومي التي ضاعت منه؟
ختاما.. ان تحليل سيرة حياة اغلب المفكرين والفلاسفة تعطي انطباعا ان الارتباط بالنسبة لهم عائق قد يمنعهم من الوصول للقمة، أي قمة الفكر والإبداع. وهو السبب في ان اغلبهم فشلوا في حياتهم الشخصية والعاطفية ولم يستطيعوا ان يخلقوا التوازن المطلوب الذي يحفظ لهم حيزا من صيرورة الحياة الممزوجة بين ما انجز وكيف أعيش ؟ إلا أنهم رجحوا العقل في مواجهة القلب والعاطفة وعاشوا هم ومن حولهم في تعاسة .