لقد تجاوز العراق مرحلة التأسيس لحركات سياسية وطنية مؤثرة وفاعلة في الساحة الاجتماعية العراقية، وبالتالي لم يعد ينفع صدق ولا أمانة ولا وطنية تدعيها بعض -بالأحرى كل- الأحزاب والجماعات السياسية. إن الكلمة الفصل اليوم لجماعات مسلحة طائفية-دينية-مناطقية غير وطنية، وحكومات سياسية مستبدة أو مترهلة تستمد شرعيتها بسلاح القوات العسكرية النظامية. (يجب أن لا ننسى تأثير العوامل الخارجية)
وأكيد، لست أريد مما سبق، التقليل من شأن الصدق والأمانة والوطنية في سلوك الأحزاب السياسية كجماعات منظمة، أو في سلوك السياسي كفرد فاعل في المجال السياسي العام، لكن كل ما أريد إيضاحه هو: «أنه من سابع المستحيلات في الوضع العراقي الراهن، أن يتمكن حزب سياسي من إصلاح واقع العراق الخَرِب بمستويات مرعبة في كافة المجالات». (لأن الخراب في العراق، ليس خراباً سياسياً فحسب، وإنما هو خراب اجتماعي-اقتصادي-بيئي-ثقافي-أخلاقي)
إن صح ما تقدم، فإنه مما يجب على المثقفين الوطنيين؛ أن يغيروا من أسلوبهم في تنوير الرأي العام العراقي، ذلك أنهم ينطلقون من مسلمات غير واقعية وغير عملية في خطابهم التنويري الموجه إلى شعب يفترضون أنه واحد وموحد ديموقراطياً، وأنه متفق على الوحدة الوطنية والحقوق المدنية لكافة أفراده، بغض النظر عن العرق والجنس والدين والطائفة.
لا بد من الاعتراف -والعمل وفق الظروف الواقعية لا الواقع المتخيل- أن الخطاب الثقافي العراقي موجه إلى جماعات منقسمة عشائرياً ومناطقياً ودينياً وطائفياً، وأن مؤسسات الدولة التي يفترض أنها محايدة في تسيير شؤون البلاد والعباد وحمايتهم، مجرد دكاكين لتقاسم موارد البلاد بما يُرضي الله على مختلف الجماعات ما قبل الوطنية. إن هذه البيئة الاجتماعية هي الصانع والحاضن للإنسان العراقي المتلقي خطاب المثقفين العراقيين غير الواقعي، وبالتالي، فإن نتيجة الخطاب هي الفشل لا محال.
إنه لتجاوز الواقع المرير للوطنية العراقية الغائبة، يجب الانطلاق من مبادئ عملية الغرض منها أولاً؛ صناعة الإنسان الفرد المتحضر. وثانياً؛ رسم ملامح المصالح الوطنية العليا للبلاد. وثالثاً؛ خلق بيئة وطنية منفتحة على عناصرها الداخلية ومنفتحة على الخارج بإطار مصالح مواطنيها الإنسانية غير العدوانية ولا المجحفة.