إنّ الطائفية بكل حمولاتها السلبية لايمكن أن تكون إلا مسخاً ينتج عنها الإرهاب الفكري والتشظي المجتمعي ، وبالأخص عندما تنتقل من مجالها الإجتماعي إلى السياسي لتقوم بتحويل الخلافات السياسية إلى صراع هويات ، وتعمل على تشكيل نظام طائفي يعيق بناء الدولة التي تتعدد مكوناتها القومية والدينية والمذهبية .
ولا شك أن التحولات الإجتماعية التي يمر بها العراق اليوم تتركز في مَذهبةِ الصراعات الأقليمية في المنطقة باستخدام الطائفية التقليدية لبناء منظومة موازية ونموذج مطابق لما هو موجود اقليمياً .
وما حدوث حالة التحالفات العصبوية المشحونة بالاستقطاب المذهبي الإ لتسويغ الطائفية ، بالإشتغال على التقابل الهوياتي ( نحن ) و ( هم ) بين المختلفين لتنضيد وصناعة الطائفية السياسية وفقاً لشروط جديدة تسعى إلى تفكيك بنية المجتمع المتعدد وتهديد الإستقرار السياسي فيه عن طريق إمتلاك طائفة معينة زمام السلطة والثروة حتى تقوم بالتأجيج الطائفي السياسي لبقاء وديمومة سلطتها ، ويعقبها لاحقاً التدخلات الخارجية لنصرة الطائفة التي تقود في محصلتها إلى تفكك الدولة .
يتخذ الصراع الطائفي في العراق صوراً عدّة منها ، الممارسات والسلوكيات السياسية والخطابات الطائفية وصولاً إلى أخطرها وهو إنتقالها إلى التشريعات بإعتبارها ملزمة !
ولابد أن يؤدي تطبيق مثل هذه السياسات إلى المزيد من الاحتقان الطائفي و العنف المجتمعي والسياسي في العراق ، الذي هو بأمس الحاجة إلى الديمقراطية والتنمية وترسيخ قيم المواطنة وبناء المؤسسات ، و يتطلب ذلك وقبل كل شيء فهم مسألة التعددية وأثرها في خلق التوازنات السياسية والفكرية داخل المجتمع .
ولمواجهة أزمة الطائفية لابد من إعادة إنتاج الخطاب الديني بما يتسق ويتوافق مع التعددية ، لكي لايحدث عملية الشرخ بين المكونات أكثر وابتلاع وإقصاء بعضها بأسم الدين، الذي يحمل في ثناياه أسس التعايش والتسامح ليتم تحويله قسراً إلى طابع آيديولوجي بفعل تدخل وهيمنة المصالح السياسية التي تستخدم الخطاب والسلوك الطائفي للتسويق ، وهذا يؤدي في النهاية إلى تمزيق النسيج المجتمعي وشبكة العلاقات القائمة فيه، ويمنح الطائفية وجوداً واقعياً وشرعياً مفروضاً كفضاء للفعل السياسي ، ليقتل بذلك كل فرص المشاركة الفعلية والتقارب بين المكونات .