همس في أذني ، بخجل ، فهو يعرف اني لا اصدق من يقول ان هناك ( نية ) لعودة البهاء الى شارع الرشيد ، المكنى بـ»المربع الماسي الثقافي»، ويعتبر قلب بغداد النابض بالإبداع والمعرفة والذكريات ، لكن الصديق « الهامس « اكد همسهُ ان هناك اصرار على البدء بإحيائه .. يا الله !
ومع همس الصديق ، ساح بيّ أمل عريض ، ظل يداعب اجفاني : هل فعلا نرى شارعنا العتيد ، من جديد بحلة الامس الجميل ، حيث العراقة المفتقدة ؟ اعرف ان وراء سؤالي ، اسئلة اخرى : هل الحنين ، ام الذهول ، ام حالة تقدم العمر ، ام الشعور بالعيش بالمكان الخطأ ، هو الذي جعلني اذرف دمعتي كلما اتذكر شارع الرشيد ، واثره في نفوس العراقيين ..
لقد فقد الشارع معالمه التراثية ، ونخشى ان يصبح اثراً بعد عين .. متاجره ( حسو اخوان .. مثالاّ ) التي اشتهرت ببيع الالبسة الراقية تحولت إلى مخازن لبيع العدد الرياضية والمستلزمات الصناعية ، ودهون المركبات ومحال لبيع مولدات الكهرباء..
استذكر الان صالات السينما حيث كانت منتشرة في هذا الشارع الحبيب ، ومقاهيه الراقية ( البرازيلية ) ومطاعمه الفخمة ( عمو الياس ) و»اورزدي باك» أول (سوق مركزي) في الشرق الأوسط « ومكتبة مكنزي « احدى حواضر العراق الثقافية ، ومحل الخياط الشهير « احمد خماس « الذي استبدلناه بـ (خرق) البدلات الصينية ، والمجوهراتي الشهير « زهرون « وذهبه ، بلمعانه الاصيل ، واستعضنا عنه بالذهب البرازيلي ، رخيص الثمن !
وكذلك المطارق التي كنت اسمعها بعذوبة اثناء مرورنا في سوق الصفارين ومشاهدة منتجاته ، وحرفية هذه السوق ، عالية الذوق ، لكن الزمن الحالي ، ردم هذه السوق وحولها الى دكاكين ، فقيرة تعرض السائد من المنتوجات المستوردة.
اين هي عيادات كبار الاطباء ؛ ومحلات ومعارض شارع الرشيد بكل رزانتها ورصانتها وديكوراتها واضويتها في ساعة متأخرة من الليل ، وعلى محيا اصحابها بسمة الود والامل ، وفي ثنايا حديث من نلتقيهم ، نحس معنى الحبور والبشر ،
هذا الشارع ، كان يعج بالناس وتمخر به آخر موديل المركبات ولاسيما التاكسي ، التي كان ممنوعا عليها استعمال المنبه ، احتراما للذوق العام ، لكنه تحول حاليا ، الى شارع خال من الحضارة ، تملؤه العربات التي تجرها الحيوانات ، وباعة الفلافل ، والمعلبات منتهية الصلاحية .. شارع يغمض عينيه عصرا ، وبات يشكو من جرح غائر ، ويعتب على غدر الزمن الذي حوله الى شارع مهجور ، وعتبي على من بيدهم الأمر.. فهم لا يقدرون اهميته التاريخية في حياتنا ..
قلبي معك شارع الرشيد … واتمنى ان يكون همس الصديق .. بشارة خير .