تظل شخصية صدام حسين واحدة من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ المعاصر، حيث يواجه إرثه تناقضات حادة بين من يرونه بطلاً قومياً وبين من يعتبرونه مجرم حرب ودكتاتوراً متعطشاً للسلطة. هذه الثنائية المحيرة تثير تساؤلات حول السبب الذي يجعل البعض يعشقون صدام حسين رغم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها. لفهم هذه الظاهرة، يمكن النظر إلى ما يمكن وصفه بـ”متلازمة صدام حسين”، وهي حالة نفسية واجتماعية معقدة تتداخل فيها مشاعر الإعجاب بالقوة الزائفة مع فقدان الوعي التاريخي والنقدي.
متلازمة ستوكهولم: الأساس النفسي للإعجاب بالدكتاتور
قد يكون مفهوم “متلازمة ستوكهولم”، الذي يصف حالة الرهائن الذين يتعاطفون مع خاطفيهم، مفتاحاً لفهم ظاهرة الإعجاب بصدام حسين. في ظل حكمه القمعي، عاش المواطن العراقي في حالة من الرعب الدائم تحت سلطة مطلقة. ومع ذلك، وجد بعض الناس صعوبة في فصل قسوته عن لحظات قليلة قدّم فيها بعض الحلول المؤقتة وسط بحر من الأزمات، مثل الوقوف في وجه إسرائيل أو رفع شعارات قومية ودينية.
الاضطراب الجماعي: تأثير الشعارات القومية على الوعي
هذا الإعجاب لا ينشأ فقط من الخوف، بل هو جزء من اضطراب نفسي جماعي تغذيه الشعارات القومية والدينية. لقد أجاد صدام حسين استخدام هذه الشعارات لتبرير قمعه وإقناع شريحة واسعة من الشعب بأنه القائد الذي سيحقق الوحدة العربية ويعيد الكرامة للأمة. في هذا السياق، يصبح من السهل للبعض أن يتغاضوا عن الفقر والظلم، ويبرروا القمع على أنه جزء من “المشروع القومي”.
الإنجازات المصطنعة: سرقة إرث أحمد حسن البكر
رغم ذلك، فإن العديد من الإنجازات التي نُسبت لصدام حسين هي في الحقيقة ثمرة لسياسات الرئيس السابق أحمد حسن البكر. من تأميم النفط في 1972 إلى توقيع اتفاقية الحكم الذاتي مع الأكراد في 1970، كان البكر هو من وضع الأساس لتنمية اقتصادية وتعليمية شهدها العراق، والتي أشاد بها العالم، بما في ذلك منظمة اليونسكو التي صنفت التعليم العراقي كالأفضل في المنطقة عام 1977. بعد توليه السلطة في 1979، عمد صدام إلى نسب هذه الإنجازات لنفسه، مستغلاً وسائل الإعلام والدعاية لترسيخ صورته كقائد عظيم.
ذاكرة الانتقائية: التعلق بوهم الماضي
في هذا السياق، يميل من يمجدون صدام حسين إلى فئتين. الأولى، هي فئة من المواطنين الذين يجهلون أو يتجاهلون الفظائع التي ارتكبها صدام، مثل إعدام المعارضين في “قاعة الخلد”، مجازر حلبجة والأنفال، ومقابر صحراء السماوة الجماعية. أما الفئة الثانية، فهي فئة المقارنين الذين يرون أن سوء الأوضاع الحالية يجعل من فترة صدام “أفضل”. لكنهم يتجاهلون حقيقة أن الفشل السياسي والاقتصادي الحالي هو نتيجة مباشرة لسياسات صدام الكارثية، التي قادت البلاد إلى حروب متتالية وأضعفت مؤسسات الدولة.
صدام حسين: وهم العظمة وسوء الفهم التاريخي
إن صدام حسين لم يكن سوى دكتاتور خدمته الشعارات القومية لبناء صورة زائفة للقائد الملهم. الحقيقة المؤلمة هي أن العراق لم يستفد من حكمه سوى الدمار والانقسام، وأن إعجاب البعض به اليوم يعكس إما جهلاً بالتاريخ أو رغبة في التمسك بأوهام لم تعد لها أي صلة بالواقع. فهم الماضي بشكل صحيح هو الخطوة الأولى نحو بناء مستقبل أفضل، بعيدًا عن عبادة الشخصيات واستغلال الشعارات لتحقيق مكاسب على حساب الشعوب.