تراهن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬في‭ ‬حكمها‭ ‬واستمراره‭ ‬على‭ ‬ظاهرة‭: ‬المواطن‭ ‬المستقر‭! ‬من‭ ‬هو‭ ‬المواطن‭ ‬المستقر،‭ ‬وماذا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬كسب‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬مواطنين؟‭ ‬ولماذ‭ ‬يربط‭ ‬عنوان‭ ‬المقال‭ ‬ذلك‭ ‬بظاهرتي‭ ‬النفاق‭ ‬والخيانة؟

تطالعنا‭ ‬صفحات‭ ‬على‭ ‬الانترنت‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬المواطن‭ ‬المستقر،‭ ‬وجميعها‭ ‬تجتمع‭ ‬تقريباً‭ ‬عليه‭ ‬كظاهرة‭ ‬سلبية،‭ ‬سواء‭ ‬بغياب‭ ‬دوره‭ ‬الايجابي‭ ‬المؤثر‭ ‬أو‭ ‬بخنوعه‭.‬

جاء‭ ‬على‭ ‬أحدى‭ ‬الصفحات‭:‬

‭”‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬يعيش‭ ‬المواطن‭ ‬المستقر‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬خاص‭ ‬به،‭ ‬وتنحصر‭ ‬اهتماماته‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬اشياء‭:‬

1‭.‬⁠‭ ‬⁠الدين‭ ( ‬بمفهومه‭ ‬الطقوسي‭ ‬وممارسته‭ ‬كعادة‭)‬

2‭.‬⁠‭ ‬⁠لقمة‭ ‬العيش‭ ( ‬رغم‭ ‬تواضع‭ ‬تلك‭ ‬اللقمة‭)‬

3‭.‬⁠‭ ‬⁠كرة‭ ‬القدم‭”( ‬التي‭ ‬تأخذه‭ ‬وتلهيه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬خاص،‭ ‬كما‭ ‬انها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬رمزاً‭ ‬للهو‭ ‬آخر‭  ‬كتفاهات‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬والترفيه‭ ‬والتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمخدرات‭ ‬والجنس‭ ‬واللهو‭ ‬الماجن،‭ ‬ويبعد‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬او‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬الثقافي‭).‬

وعلى‭ ‬صفحة‭ ‬أخرى‭ ‬يرد‭ ‬بأن‭ ” ‬المواطن‭ ‬المستقر،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬خضع‭ ‬للسلطة،‭ ‬وتكيف‭ ‬مع‭ ‬المجتمع،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬راضياً‭ ‬وقانعا‭ ‬بوضعه‭ (‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬بائساً‭).‬

من‭ ‬هنا‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬تبحث‭ ‬عنهم‭ ‬سلطات‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬ان‭ ‬تبقى‭ ‬وتعيش‭ ‬دون‭ ‬منغصات،‭ ‬لكنهم‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬يشكلون‭ ‬العائق‭ ‬الحقيقي‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬تقدم‭ ‬ممكن،‭ ‬وأن‭ ‬التغيير‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬يخرج‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬المستقر‭ ‬من‭ ‬عالمه‭ ‬الضيق‭ ‬ويتأكد‭ ‬أن‭ ‬ثمن‭ ‬السكوت‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬يعتقد،‭ ‬كما‭ ‬تذهب‭ ‬صفحة‭ ‬ثالثة‭.‬

والمشكلة‭ ‬الأكبر‭ ‬عندما‭ ‬يورث‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬المستقرين‭ ‬ثقافتهم‭ ‬لأجيالهم‭ ‬اللاحقة،‭ ‬فيتحول‭ ‬ذلك‭ ‬الاستقرار‭ ‬الخانع‭ ‬الى‭ ‬حالة‭ ‬طبيعية‭ ‬ونمط‭ ‬عيش‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليه‭.‬

وعند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المواطن‭ ‬المستقر‭ ‬تواجهنا‭ ‬مسائل‭ ‬مفاهيمية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالولاء‭ ‬لأولي‭ ‬الأمر‭ ‬أو‭ ‬بالنفس‭ ‬المطمئنة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مسألة‭ ‬المواطن‭ ‬المخلص‭ ‬المضحي‭. ‬فالمواطن‭ ‬المستقر‭ ‬يعلن‭ ‬ولاءه‭ ‬لأولي‭ ‬الأمر‭ ‬أصحاب‭ ‬السلطة،‭ ‬وهو‭ ‬ذاته‭ ‬المتمتع‭ ‬أو‭ ‬الشاعر‭ ‬بالتمتع‭ ‬بطمأنينته،‭ ‬وقد‭ ‬يذهب‭ ‬متفلسفاً‭ ‬بأنه‭ ‬يعمل‭ ‬كذلك‭ ‬تضحية‭ ‬وحرصاً‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬البلد‭!‬

ان‭ ‬دراسة‭ ‬اجتماعية‭ ‬لشخصيات‭ ‬المواطنين‭ ‬المستقرين‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬أسباب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاستقرار‭:‬

الخوف‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬السلطة‭.‬

تجنب‭ ‬خسارة‭ ‬فرص‭ ‬الكسب‭ ‬والغنائم‭ ‬من‭ ‬السلطة‭.‬

التعود‭ ‬على‭ ‬الجبن‭ ‬والخنوع‭ ‬والتردد‭.‬

ممارسة‭ ‬النفاق‭ ‬باعتباره‭ ‬ثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬واخلاقية‭.‬

الجهل‭ ‬بواقع‭ ‬الحال‭ ‬غير‭ ‬السليم‭ ‬أو‭ ‬بقيمة‭ ‬التقدم‭ ‬والعدالة‭.‬

اختتم‭ ‬مقالي‭ ‬بالقول‭:‬

ان‭ ‬شعباً‭ ‬تعود‭ ‬الاستقرار‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الذي‭ ‬أوردناه،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يكتب‭ ‬له‭ ‬النجاح‭ ‬والتقدم‭ ‬والكرامة‭!‬

برلين،‭ ‬22‭.‬09‭.‬2024

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *