تُعد الاختلافات في الاراء بين الأفراد والشعوب والأحزاب ، ظاهرة طبيعية بل ضرورية جداً ، حيث يمثل هذا التضارب والاختلاف الاساس لعملية التطور الاجتماعي والسياسي والفكري بشكل عام، فبدون اختلاف الآرآء وتنوعها، تبقى المجتمعات جامدة، غير قادرة على التقدم والتطور .

ان عملية الحوار بين الأفكار المتباينة تساعد على تحسين الفهم المتبادل ، وتوليد افكار جديدة ، وتوسيع المدارك، لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في وجود الاختلاف بحد ذاته ، بل في عدم تقبل هذا الاختلاف ، الأمر الذي يؤدي إلى توتر العلاقات ، والذي قد يتطور إلى القطيعة وتعميق الكراهية والحقد ، وفي بعض الحالات قد يصل الأمر إلى الاقتتال ، وهو ما نشهده في كثير من المجتمعات التي تفتقر إلى ثقافة الحوار .

ان درجة تقبل الآخرين لرأي مغاير تعتمد بشكل كبير على التنشئة الاجتماعية والبيئية التي نشأ فيها الأفراد ، فضلاً عن مستوى تعليمهم وثقافتهم وإدراكهم لاهمية الحوار الجاد والبناء .

الشخص الذي لا يتقبل آراء الآخرين ويعتبر من يخالفه الرأي عدواً له ، ويعمل على مقاطعته والتطاول عليه ، هو انسان جاهل متعصب ومتخلف ، يفتقر إلى المرونة الفكرية والقدرة على قبول النقد ، هذا الشخص الذي يرى ان رأيه هو الرأي الصائب الوحيد ، ويعتبر أي محاولة للنقاش أو الاختلاف بمثابة تهديد لذاته ، وهنا يكمن الخطر ، إن هذا السلوك يعكس نقصاً كبيراً في الوعي والثقافة ويشير إلى انغلاق فكري يعوق التقدم والتطور الشخصي والاجتماعي .
ثقافة الرأي والرأي الاخر تعني احترام أي رأي مخالف والاستماع اليه ومناقشته بحيادية وموضوعية ، دون التمسك بالرأي الشخصي بشكل اعمى .
يجب ان يتم النقاش بأسلوب هاديء ومحترم ، يتيح تبادل الأفكار بشكل بناء .
ان هذا النوع من الحوار هو ما يساعد المجتمعات على تجاوز الأزمات والتحديات ، ويساهم في بناء مجتمع ديمقراطي يعترف بحقوق الإنسان في التعبير عن آرائه وأفكاره بحرية ودون خوف .

تعد حرية الرأي من اهم اسس حقوق الانسان ، إذ تتيح للافراد إمكانية التعبير عن افكارهم المختلفة دون قيود أو رقابة ، بشرط أن لا تتعارض هذه الافكار مع القوانين والأعراف الاجتماعية .
ومن هنا تأتي أهمية التوفيق بين حرية التعبير واحترام القيم والتقاليد الاجتماعية والظروف المعيشية ومستوى التعليم والثقافة.
فلا يمكن للفرد ان يمارس حريته بشكل مطلق دون ان يراعي السياق الاجتماعي الذي يعيش فيه.
أن اختلاف الاراء كما ذكرنا ضروري في عملية التطور ورفع المدارك والتغيير والتأثير .
ولهذا يجب علينا ان نحترم الرأي الاخر ونقبله ، فهو يعكس تنوع المجتمع وغناه .
إلا ان المشكلة الكبرى في مجتمعاتنا الشرقية والعربية هي التمسك بالرأي بشكل لا نجده في المجتمعات المتقدمة ، هذا التمسك الاعمى بالأفكار والعادات والتقاليد يعكس تخلفاً فكرياً يعيق التقدم .

وفي كثير من الاحيان ، نجد ان الاحزاب السياسية والثورية نفسها ، التي من المفترض ان تكون منبعاً للأفكار التقدمية ، ترفض النقاش وتغلق أبواب الحوار ، مما يؤدي إلى انشقاقات وصراعات داخلية .
حتى داخل الحزب الواحد ، إذا ما اختلفت على مسألة غير جوهرية نجد ان جميع الأطراف تتمسك برأيها كونها لا تمتلك وعياً كافياً لتقبل الاراء المخالفة لها .

واذا ما اختلف أحد الاعضاء مع قيادته على مسألة ثانوية ، فان مصيره يكون الخروج من التنظيم واتهامه بالخيانة والعمالة ، في حين ان الحوار والنقاش الموضوعي هما السبيل الوحيد لحل الخلافات والتوصل إلى حلول تخدم المجتمع والتنظيم ، وهذا يعكس غياب ثقافة الرأي والرأي الآخر ، وافتقار الأحزاب إلى الوعي الكافي لتقبل الأفكار المختلفة .
ان عدم احترام الرأي الاخر يتسبب في الكثير من المشاكل ، كالتعصب والاستهزاء والسخرية من الآخرين ، مما يؤدي بدوره إلى مشاكل نفسية وتفكك اجتماعي .

من هنا لا بد لنا من تربية أطفالنا منذ الصغر على تقبل اختلاف الاراء واحترام الآخرين ، فهذه هي اللبنة الاولى لبناء مجتمع صحي متماسك ، علينا ان نزرع في نفوس أبنائنا قيمة الحوار واهمية النقاش مع التنوع الفكري ، لكي نتمكن من بناء جيل قادر على التفكير النقدي والإبداعي ، وقادر على قيادة مجتمعاتنا نحو مستقبل افضل .

كما ان الاعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة او الرأي الصائب الوحيد ، هو بالفعل اساس التخلف الفكري . فالمعرفة بطبيعتها نسبية ومحددة ، لا يمكن لاي فرد او مدرسة فكرية ، سواءً كانت مثالية أو مادية ، ان تدعي الإلمام بكل جوانب الحقيقة لذلك يجب ان يكون الحوار والتفاعل مع الاراء المختلفة هو المنهج السائد ، لانه الوسيلة الأنجح للوصول إلى فهم اعمق واشمل .
الحوار يتيح الفرصة لتبادل الأفكار والنقاش البناء ، مما يساعد على تقليص الفجوات الفكرية والثقافية .
كما انه يساعد على تجنب خسارة الاشخاص الذين يشتركون معنا في المباديء العامة ، ولكن قد يختلفون معنا في التفاصيل ، فالتمسك بالرأي ورفض الحوار يؤدي إلى عزلة فكرية وانغلاق ، بينما يفتح الحوار آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك ..

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *