الإنتاج ببساطة وفق علم الاقتصاد ، هو تحويل للموارد الطبيعية إلى سلع لإشباع الحاجات البشرية ، والإنتاج لا يقوم الا بالعمل ، والعمل هو خالق الخيرات ، وبه تقاس اقيام السلع والخدمات ، فأذن العمل هو أساس القيمة ، والناتج القومي هو تحصيل عمل مجموع أفراد المجتمع في الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي ، ولا يمكن لأي دولة في هذا العالم أن تنهض إلا بالانتاج والتسويق ، غير أن ما يحصل في العراق منذ العام 2003 هو العكس بسبب جهالة المسؤولين كافة بالاقتصاد ، ولم يحصل أن شاهدنا أي رئيس لأي كابينة وزارية حمل مقترحات معززة بالارقام للتنمية الزراعية أو الصناعية أو حتى السياحية ، بل أن الكل الحاكم كان لاهيا بالسلطة تاركا اسواق البلاد مفتوحة للمستورد الجييد والرديئ الكمالي وشبه الكمالي أو الى ما يشير إلى الاستهلاك المظهري المبدد للموارد والعادات المالية الاجنبية ، وظل الاعتماد منصبا على إيرادات النفط مع نسبة ضئيلة جدا من حواشي الإيرادات الأخرى ، وظل الاقتصاد احاديا ، الموازنة التشغيلية فيه تفوق الموازنة الاستثمارية ، وهذا عكس منطق الاقتصاد ، حيث ناهزت كما هو معلن الـ(سبعة تريليون دينار شهريا ) وهي تمثل الرواتب والمخصصات والأجور والاعانات ، وجزء يسير لأعراض تشغيلية منها مصاريف النثرية للرئاسات وبعض الدوائر الأخرى ، وظلت السوق المحلية في حركتها اليومية تعتمد كليا على الإنفاق الاستهلاكي لشريحة الموظفين والمتقاعدين والاجراء الحكوميين ومردود بعض المقاولات الآنية المستعجلة ، وتحول الاقتصاد العام للبلد إلى اقتصاد فقاعة مملوءة بهواء الدفع الحكومي ، إذا توقف هذا الدفع لأي سبب كان توقف المتدفق المالي إلى هذا السوق ، وعندها تنفجر الفقاعة مولدة الكساد ومزيدا من البطالة اضافة إلى مشاكل اجتماعية لا تحمد عقباها ،
ان مطالبة الخبراء بالعودة بالعراق المنتج للخيرات منذ العام 1926، عندما استورد اللواء المتقاعد من الجيش العثماني فتاح باشا ولاول مرة مكائن الغزل والنسيج من المانيا ، مرورا بالصناعات الصوفية في الأربعينات وصولا إلى الصناعات الجلدية والجوت والسكاير والشخاط والزيوت النباتية في الخمسينات ، وكانت عمليات تصدير المنتجات الزراعية والتمور تشير إلى ان العراق بلدا منتجا للخيرات الصناعية والزراعية التي بدورها صارت قاعدة لأضخم 300 شركة عملاقة تمكن بها القطاع العام مقاومة الحصار قبل السقوط . ان تلك المطالبة من قبل الخبراء بالعودة إلى الإنتاج الحكومي والأهلي إنما يراد منها المطالبة بالابتعاد تدريجيا عن الاقتصاد الربعي النفطي الذي هو بمثابة الفقاعة التي ما تلبث أن تنفجر بأي لحظة جراء انخفاض أسعار الخام ، تلك الأسعار العالمية غير المستقرة على مر التأريخ.