الكاتبة نيرة النعيمي
الروح مفردة ترمز إلى الطاقة الحيوية المنبعثة من الكائنات الحية، وقد أطلق الإنسان عليها هذا المصطلح بوصفها طاقة نستشعرها لكننا لا نراها بالعين المجردة.. هذه الطاقة التي نتبادلها مع الكائنات الإنسانية الأخرى هي التي تجعلنا نقع تحت تأثير جاذبيتها سلباً أو إيجاباً، في الإيجاب القوي الباهر نعشق ونحب، وفي القليل منه نستشعر الألفة، وفي السلبي نستشعر النفور، أو عدم الارتياح.
ورغم أن هذه الأوصاف توجد في جميع اللغات البشرية، وتختلف استعاراتها باختلاف ثقافات المجتمعات، إلا أن كل الشعوب في كل حضاراتها تتفق على مسمى واحد لهذه الطاقة الغامضة وتطلق عليها مسمى «الروح».
وقد اتخذت منها الأساطير منذ نشوئها الأول بين المجتمعات البدائية، مصدر قوة لا حدود لها، ورفعتها إلى مستوى الغموض والسحر والتجليات الصوفية، وفصلت بواسطتها بين الجسد كمادة، والروح كمثال متعال، بل ذهبت إلى أن الروح خالدة أبداً، والجسد فان، فحين يموت الإنسان تظل الروح حية ترفرف حول الأحياء، وقد تتجسد في كائنات أخرى في الطبيعة كما في عقيدة التناسخ لدى بعض الشعوب كالهندوس!.
ومن منطلق هذا التصور لمعنى الروح وحقيقة مصدرها، جرى الحطّ من قيمة الجسد، وما يصدر عنه من فعل أو نزوع، وتلك المعتقدات في سبيل إقناعها الإنسان بصحة مصدرها، اتكأت على عجزه عن إدراك هذه الروح بحواسه الخمس، ورفعت رموزه إلى مستوى الكهنة والحكماء والقديسين، وفي بعض تلك العقائد يصوَرون وقد أحاطت رؤوسهم هالة من نور يستمدون قداستها من روح، لا يراها الآخرون، وفي كل مسيرة التاريخ البشري، استعان الطغاة بالقوة «الروحية» لأبطال الأساطير، من أجل تطويع البشر، بوصفهم ظل تلك الروح، اللامرئية، الميتافيزيقية، على الأرض!.
اكتسبت الروح إذاً دلالات غير حسية وغير مادية، رغم أنها –كما أثبتت الاكتشافات العلمية– ليست سوى الطاقة التي تولدها وتبثها تفاعلات الكائن الحي، وأنشطته الفسيولوجية، بشراً كان أو نباتاً أو حيواناً، كما تتولد هذه الطاقة من تفاعل العناصر في الطبيعة، وقد فسرت الاكتشافات العلمية حقيقة هذه الطاقة وأسباب انبثاقها، فالحب مثلاً يحدث بين روحين إيجابيتين تنبثقان من الطاقة الإيجابية لكل منهما، وتنسجمان في طاقة روحية متقاربة تكمل إحداهما ما ينقص الأخرى.
وفي هذا النوع من الحب لا يخضع طرفٌ لآخر أو يتسيده، بل يوحد بين قوتين لمواجهة كل الصعوبات أياً كان مصدرها، ويجعل من هاتين القوتين (المرأة والرجل) قوة مركزية تبدع التقدم والتطور والتحضر!.