العربي في الحكم، بسقوط الحكومات من عين المواطن المقهور بحقوقه المهدورة، ولجهل الحاكم بأهمية العدالة وسُبلها، وعَمَاه الذي يريهِ فسادَهُ إصلاحاً، واللامساواة بين رجالات السلطة والحاشية والمقربين والمتملقين وبقية الشعب المهمشين.
خضعَت كلمة الحق للمراوغة والتحايل، باستخدامها وسيلة يستعجلُ بها البعض وصولهم إلى السلطة، دون انتظار ولا تدرج بانقلاب عسكري بالدم أو مدني بالرشاوى، ويُوسَّد الأمرُ إلى غيرِ أهله! ويبدأ الحاكم بمحاربةِ زملاءَه، بوِشايات حاشيته أو أعدائه.
المضمون الحقيقي للفساد في خطورته التي تُهدِّد الجميع. سلطة الحق هي العدالة، وليس لأحدٍ الحقُّ في السلطة، وإذا طالب الجميع بحقوقهم في السلطة، أو الكعكة كما أسمتها فيلسوفة جماعة القانون! فسدَ العالم بنظريات المؤامرة في رأس الحاكم الشرقي الأسرع استفزازاً. ديسمبر 1934 جُنَّ ستالين باغتيال كيروف رئيس محكمة ملاحقة منافسيه، فأعدمَ سبعمئة ألف شيوعي بتهمة التآمر، واستغلت ألمانيا هذه الأجواء، فسرَّبت معلومات استخباراتية مُلَفَّقة بخيانة مارشال الاتحاد السوفيتي توخاتشيفسكي، لاستفزاز ستالين، فأعدمه في أيار 1937.
الحق يمنح السلطة قوتها، السلطة -وليس الحق- تصنع القوانين التي تخدمها وتحميها، شرعية السلطة تصنع القانون، وشرعية القانون تصنع السلطة، وبين السلطة والقوانين، يضيع الحق والمواطن، كمجلس النواب يُصوِّت على معاشاته وامتيازاته وصلاحياته وحفنة كبيرة من الدولارات لتقاعده والمقربين من أصحاب الدرجات الخاصة، وتعليمات لخدمة ذويهم وأبنائهم بمعادلة الشهادات غير المعترف بها، والعفو عن أصحاب الشهادات المزورة، والمناصب لِمَن يدفع الثمن! سقراط أنزلَ الحقَّ إلى الأرض، بعد ذلك ابتعد عن الأرض وتعالى من جديد على الحياة اليومية، كقِدِّيسٍ منعزلٍ في كنيسة مهجورة. وعاد الحق الإلهي بالحكم، يقتلوننا باسم الرب، ويسرقون البلاد والعباد باسم الدين، هذه عصورنا المظلمة بظلم العمائم!
توزيع الثروات
الحق والسلطة لا ضامن لهما سوى الثورات التي نجحت في إعادة توزيع الثروات، وحددت ملامح التاريخ، والثوري كحامل الحُمَّى المحموم، ينقل عدوى الصراع على احتكار الحق في السلطة. السفسطائي ثراسيماخوس في الجمهورية/ فص1 عَرَّفَ العدالة بمصلحة الأقوى، أي مصلحة السلطة الحاكمة، وأنَّ القوة واقعية ديناميكية. وهي خِلاف رؤية أفلاطون المثالية للعدالة بأنَّها مجموعة فضائل تُنَظِّم الحياة اليومية للحاكم والعامة، وتضمنُ الخير العام للشعب والسلطة، التي يجب أنْ يكون رِجالاتها من الفلاسفة والحكماء الذين يدعمون سيادة المعرفة العلمية على الرأي الخاص والعام، لأنَّهم قد تلقوا قِسطاً كبيراً من العلوم والمَعارف واتَّسَعت آفاقهم بحيث لا يفعلون إلا ما هو خير وعادل. وبعدما بحث أرسطو 158 دستوراً من دساتير المدن اليونانية القديمة، قَسَّم أنظمة الحكم إلى أوليغاركية حكم الأقلية، وديمقراطية حُكم الأكثرية، ووجدَ الحل في نظام مختلط يجمع محاسن النظامين، بطبقة متوسطة ليسوا بفاحشي الثراء ولا فقراء للغاية! القوة والسلطة: تتسلل الفوضى حين تفقد السلطة قوتها بفقدانها وتزويرها وتسويفها واستغلالها الحق، قوة السلطة تضمن قيمة النقود، وكانت النقود في العصور السابقة تُصكُّ في المعابد، وتعتمد صور الأباطرة المؤلَّهين من الإغريق والرومان، ثم جاءت صورة المسيح المنقذ رمزاً وشاهداً على الحق في السلطة وليس على سلطة الحق. وإنَّ الحديث عن تطور حضاري ثقافي، ما هو إلا كذبة وحديث مُزوَّق ومزيف، فما زالت السلطة التي تصك. ولم تتحرر السلطة من الرموز القديمة للقوة، الإمبراطور- الإله- العاصمة كمركز للحكم-. صارت الدولة- الدين، أو الحكومة- الطائفة- القومية- الإقليم- المدينة- العشيرة- القبيلة- العاصمة.ويعتقد ابن خلدون في مقدمته، القوة العصبية مصدر السلطة، جماعة تتميز بالشجاعة والترابط والوحدة والصبر على الشدائد، وتتحقق غالباً في البدو المتقشفين كالجرمان والهون والعرب والمغول والتتار والنورمانديين.