رجلٌ من طينِ الجنوب،
أوقدَ النارَ في قلبِ بيتِه القَصَبي،
كأنَّ حنجرةَ الهورِ فاضتْ بغضبِ القرون،
لم يشعل القصبَ،
بل أشعل الذاكرةَ المصلوبةَ على ضفافِ النسيان،
ونكأ جُرحَ الأرضِ حين جفَّ فيها المعنى،
وتهدَّل الحلمُ كغصنٍ مكسور.
مشهدٌ،
تفوقُ صورتهُ مجلداتِ الوجع،
ويعلو على كلِّ ما كتبَهُ الجوعُ،
وأنشدَهُ القهرُ،
ويُخرسُ أنينَ نيتشه تحتَ صليبِ الإنسان،
ويطغى على مطرِ السيّاب حينَ ناحَ الليلَ،
ويُضيعُ صرخةَ كافكا في دهاليزِ اللاجدوى.
هذا الاحتراقُ،
ليس نارًا فحسب،
بل لهبٌ يتكلمُ حينَ تخوننا الحروف،
ويلتهبُ وجعًا أبلغَ من آلافِ القصائد.
يا ابنَ سومر،
ما كنتَ تُحرقُ القصب،
بل تُشعلُ التاريخَ بالنار،
وتُطفئُ أصواتَ الجدّاتِ في مواويلِ الماء،
وتُنزلُ الستارَ على أغاني الأمهاتِ في فجرِ الندى.
لهيبتُك هذه،
ليست غضبًا عابرًا،
بل صرخةُ الروحِ في وجهِ الطمسِ والنسيان،
انتقامُ مَن ضاقتْ به الكلماتُ،
فقالها جمراً كي يُفهمَ الألم.
اللعنةُ على يدٍ حفرتْ خندقَ الظمأ في خاصرةِ الوطن،
اللعنةُ على مَن جفَّفَ الروحَ قبلَ الماء،
على من ذبَحَ الهورَ بيدٍ لا ترتجف،
فذاك ليس ابنًا لبلادِ الأنبياء،
ولا يُغفرُ له صمتُه،
ولا يُبكى عليه إن ماتَ في العراء