في عز تمّوز اللاهب وتحت أشعة الشمس الحارقة عزفت القيثارة الخضراء لحن التتويج حيث شهد ملعب الشعب الدولي تتويج نادي الشرطة بطلاً للدوري العراقي للموسم الرابع توالياً في دوري طويل وشاق قبل أن يودع محطاته الأخيرة. إنجاز مستحق لا غبار عليه.

 

القيثارة تعزف وسط الضجيج

 

نادي الشرطة لم يفز لأن أندية المقدمة ضعيفة لا بل لأنه اختار طريق الاستقرار حينما اختارت الفرق الأخرى طريق التخبط والعشوائية بعيداً عن الاحتراف.

إدارته تعمل بهدوء تتحرك بثبات وتعرف ما تريد بعيداً عن الإعلام والتصريحات الانفعالية.

أربع بطولات متتالية ليست مجرد رقم بل تأكيد على أن هناك من يخطط ويعمل على مدار الساعة.

 

إدارات تستهلك المدربين وتغير لإرضاء الجمهور

 

شهد هذا الموسم وحده أكثر من ثلاثين حالة تغيير مدربين بين الأندية بعضها أقال مدربه بعد خسارة واحدة وبعضها اختار مدرباً لا يعرف أسماء لاعبيه.

تظن إداراتنا أن تغيير المدرب هو الحل السحري لكنها لا تدرك أن تغيير الهيكل دون إصلاح الأساس لا جدوى منه.

 

محترفون بالاسم فقط

 

الأندية المؤسساتية العراقية دفعت ملايين الدولارات لاستقدام لاعبين محترفين بالاسم فقط خرج أغلبهم بأداء باهت لا يوازي ما يقدمه لاعب محلي شاب رغم ندرة المواهب خلال العقد الأخير.

الخلل ليس في اللاعب وحده فالمحترف يسعى للحصول على الأموال وهذا حق مشروع بل في طريقة الاختيار وغياب المعايير وهيمنة السماسرة الذين فضلوا الربح السريع على حساب جودة الدوري وسمعة الأندية.

مع ذلك لا يمكن تجاهل وجود محترفين من طراز رفيع تركوا بصمتهم بوضوح مثل السوري محمود المواس الذي يعد نموذجاً للاعب المحترف والملتزم داخل وخارج الملعب.

 

صراع إعلامي وضوء في نهاية النفق

 

شهد الدوري صراعاً إعلامياً بين ناقد وقادح وبين داعم وساند.

مشاكل الدوري لم تكن على أرض الملعب فقط بل امتدت إلى البرامج الرياضية التي تدار من قبل قنوات تعمل وفق أجندات متباينة.

أنا شخصياً مع تعدد البرامج وأراها حالة صحية في ظل بحبوحة الديمقراطية لكن رافقت بعض هذه البرامج ومنصات التواصل الاجتماعي اتهامات واصطفافات وخلافات شخصية غلبت عليها صفة التحليل.

أما الحقيقة فتغيب قسراً في بعض الأحيان ويبقى الجمهور تائهاً بين حانه ومانا ضاعت لحانه.

وللإنصاف أقول إن الإعلام الوطني شريك في النجاح ولدينا أمثلة عديدة وطاقات شابة ساهمت في دعم ملف كرة القدم من خلال تسليط الضوء على الأزمات والدفاع عن حقوق الرواد والأندية واللاعبين وطرح المبادرات.

كان آخرها مبادرة إنسانية سلّط فيها الإعلام الضوء على الحالة الصحية لمدرب حراس المرمى صالح حميد

فاستجابت المؤسسات الرياضية وقدمت له يد العون وهو اليوم في طور الشفاء.

 

أندية بلا مشروع ولا جمهور

 

أندية مؤسساتية بلا طموح مجرد تكملة عدد للوصول إلى العشرين منها أوراق انتخابية ومنها أمزجة تتحكم بها ومنها نادي بغدادي وسلسلة فروعه الممتدة من الشمال إلى الجنوب بلا جمهور يشجع أو ينتمي مع عزوف جماهيري غريب خصوصاً في أندية بغداد

حتى أصبحت مجرد أسماء تصرف لها ميزانيات بلا مشروع وبلا هوية.

في المقابل تتنفس أندية دوري المظاليم بصعوبة حتى وصلت إلى الموت السريري دون أن يشعر بها أحد.

علماً أن الدوري العراقي وفق آخر تصنيف صادر عن الاتحاد الآسيوي يحتل المركز الثاني عشر على مستوى القارة الصفراء وهو تصنيف لا يليق بتاريخ الكرة العراقية ولا بطموحات جماهيرها.

وبالرغم من الملاحظات الكبيرة والنقد الإعلامي ورأي خبراء اللعبة إلا أن اتحاد الكرة يصر على استمرار الدوري بـ20 فريقاً رغم أن أداء الفرق والموارد المالية والحضور الجماهيري تشير إلى أن العدد المثالي هو 16 فريقاً والبقاء للأقوى.

يبدو أن اتحاد الكرة كسابقيه من الاتحادات يحبط أي محاولة للتقليص فالإبقاء على هذا العدد يخدم حسابات انتخابية على حساب الجودة.

 

اتفاقيات على الورق

 

قبل ثلاثة مواسم وقع الاتحاد العراقي لكرة القدم عقد شراكة مع رابطة الدوري الإسباني (لاليغا) في حفل أُقيم في بغداد بحضور رئيس الرابطة خافيير تيباس والوفد المرافق الذي وصف الاتفاق بأنه تاريخي.

روج للاتفاق كخطوة نحو تطوير الدوري العراقي فنياً وإدارياً وتم افتتاح مقر رسمي وسط العاصمة العراقية بغداد، لكن الواقع بقي على حاله باستثناء حضور بعض الشخصيات الأوروبية وتسجيل ملاحظات هنا وهناك.

ورغم تطبيق تقنية الفيديو (الڤار) ودورات برو للمدربين ودورات تحكيمية إلا أن المردود ظل محدوداً على مستوى الأداء والمنافسة.

نشدد في الختام على أن الحكم العراقي يبقى مميزاً وذا شخصية كبيرة ونرفض المساس به جملة وتفصيلاً.

 

ورغم كل ما سبق لا يمكن تجاوز أو إنكار الدور الحكومي خلال السنوات الماضية حيث قدمت الدولة العراقية دعماً كبيراً وغير مسبوق منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921عبر تخصيص ميزانيات غير مسبوقة للنهوض بقطاعي الشباب والرياضة.

 

الحال من المحال والمنتخب على الهامش

 

كل هذا بدأ يلقي بظلاله على المنتخب الوطني حيث أصبح يعاني لأنه لا يجد دورياً يُنتج.

المنافسة الباهتة وتدوير المدربين وسوء اختيار المحترفين كلها عوامل أثرت على المسيرة.

الهزّات الارتدادية الفنية تكررت منذ أدفوكات مروراً ببيتروڤيتش وانتهاءاً بالخواجة الإسباني.

وليس ذلك لقلة المواهب فالعراق منجم لاعبين بل لغياب الإرادة في صقلها وتطويرها.

 

سطور أخيرة…

نعم في الدوري العراقي إيجابيات ونقاط مضيئة يمكن البناء عليها وقد أشرنا إلى بعضها خلال هذا المقال لكنها وحدها لا تكفي لبلوغ الوضع المثالي.

استحق نادي الشرطة البطولة بجدارة،

لكن الجدارة وحدها لا تكفي لبناء دوري.

علينا أن نعيد ترتيب شكل الدوري ونقلص عدد الفرق وندع المصلحة العامة فوق مصلحة الأشخاص.

وإن لم نبدأ الآن فالسلام على كرة العراق.

 

وفي الختام أدعو قادة الرياضة العراقية إلى التعامل بجدية مع هذه الحقائق فـتشخيص الداء نصف العلاج وآخر العلاج كي وإصلاح الواقع الرياضي يبدأ بخطوات واضحة أبرزها

 

1. تقليص عدد الفرق المشاركة في دوري نجوم العراق إلى 16 فريقاً حفاظاً على الجودة الفنية…..

2. ضبط ملف اللاعبين المحترفين من خلال وضع معايير صارمة تمنع سطوة السماسرة على سوق الانتقالات.

3. إطلاق مشروع حكومي لاكتشاف وصقل المواهب الكروية خصوصاً في المناطق الشعبية

4. تفعيل الاتفاقيات الموقعة مع رابطة الدوري الإسباني (لاليغا).

5. إبعاد الطارئين عن المشهد الرياضي وإنصاف المتعلمين حاملي الحقائب

 

6_ منع التوريث الاداري في إدارات الاندية

 

7_ يجب ان تضم الهيئات العامة للاندية عدداً لايقل عن 500 عضو لضمان الشفافية والعدالة

 

8_ سن قوانين جديدة للنهوض في الواقع الرياضي مع تفعيل الدور الرقابي على عمل الاندية

 

فمن دون هذه الخطوات سيبقى الحديث عن الإصلاح مجرد شعارات.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *