يمر المشهد السياسي منذ الانتخابات الماضية بحالة من الانحباس والتجاذبات الأفقية والعمودية التي تهدد الأمن المجتمعي ومستقبل العملية السياسية برمتها، وقد يجد الكثيرين صعوبة في فهم الاصرار الشديد على تهميش الحلفاء السابقين ورفاق النضال وشركاء المعارضة والحكم وتحويل الصراع السياسي الى صراع شخصي ستكون نتائجه كارثية على المجتمع العراقي وأمنه واستقراره.
يمر العالم اليوم بمخاض سياسي وعسكري مدمر بين القوى العظمى قد تتسع رقعته لتشمل دول العالم أجمع بشكل مباشر أو غير مباشر مما يهدد بشكل خطير الأمن الغذائي والمجتمعي وانقطاع سلسلة الامداد وما ستسببه من اضطرابات وانفلات أمني كبير في المجتمعات أجمع.ان ازمات العراق كثيرة ومتنوعه حتى قبل اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية والتي بدأت نتائجها تنعكس سلبا على الامن الغذائي للشعوب والعراق وللاسف الشديد يعتمد على الاستيراد كليا لتوفير سلته الغذائية مما يشكل عبأ اضافيا على الحكومة القادمة ومن عنا تأتي ضرورة ان تكون الحكومة القادمة اقتصادية اللون والرائحة والطعم والتطبيق والمنهج بكامل وزرائها ورئيسها وان تكون لديها الكفاءة والقدرة والعلم والتجربة لمعالجة الازمات الاقتصادية المعقدة من خلال ثورة زراعية صناعية مركزة ومدعومة بالتمويل اللازم والبرامج والخطط الكفيلة بتوفير السلة الغذائية للمواطنين والصناعات التكميلية لها كما يجب دعم الصناعه المحلية الخفيفة والمتوسطة من خلال توقير المواد الخام والطاقة والوقود والمياه باستخراج المياه الجوفية وتقليل او منع استيراد بعض المفردات الغذائية والصناعية لتوفير الحد الادنى من الاكتفاء الذاتي وتوفير احتياجات المواطن المتنوعه ولفترات طويلة . كما نؤكد ضرورة دعم القطاع الخاص العراقي الحقيقي في الداخل والخارج بقرارات واقعية وقابلة للتطبيق لتشجيع استثمارهم في الاقتصاد بعيدا عن المولات والشقق السكنية التي اصبحت العلامه الفارقة والشامخة عند الحديث عن الاستثمار ونجاحاته في العراق .
ان الاموال العراقية في الداخل والخارج كبيرة جدا ورجال الاعمال العراقيين الحقيقين اثبتوا ابداعهم ونجاحهم في حميع القطاعات حول العالم وهم بحاجة الى التشجيع والحماية لاعادة جزء من راس المال العراقي المغترب الذي يتجاوز 400 مليار دولار موزعه حول العالم والذي بدأ يعاني من تداعيات الخلافات الدولية والحروب والضرائب الهائلة . انها فرصة تاريخية لعودة المال ولم الشمل وبناء بلدنا الذي طال انتظاره ومن هنا تأتي ضرورة وحتمية تشكيل حكومة الشراكة والوحدة الوطنية دون استثناء لشخص أو كتلة أو حزب فاز بالانتخابات ويرغب المشاركة لتحمل مسؤولية المرحلة القادمة الخطرة جداً أو من يرغب في أن يكون مستقلاً أو معارضاً في البرلمان .
إن المسؤولية الأخلاقية والتاريخية تستوجب من قادة الكتل السياسية أن يستشعروا بالخطر ويبحثوا عن ما يجمعهم من سياسات وتوجهات لا عن ما يفرقهم ، ويعيدوا قراءة المشهد السياسي المحلي والدولي والمتغيرات القادمة في السياسة الدولية التي تميل نحو المحاور الجديدة وابعاد العراق عنها قدر الامكان.
حكومة الوحدة الوطنية ضرورة استراتيجية للعراق بل هي حبل النجاة والنور في نهاية النفق الدولي المظلم.