الناقد علاء حمد

 

عندما ننتمي إلى الرمزية، فإننا ننتمي إلى تعددية المعاني والتأويلات، وهي من خصوصية الرمزية وعلاقاتها المفتوحة مع النظريات الأخرى، وكذلك تعدد الدلالات ونلاحظ حركة الدال والمدلول ضمن النصّ الشعري الواحد، فإذا قلنا أن المعنى، معنى نصّي، فالرمزية تفتح النصّ على ذراعيه بمشاهد مضافة، تؤدي إلى إيجاد النصّ المصغر، والنصّ المضاف؛ هذه التعددية تبدأ من خلال أول عتبة نصية وقد تكون علاقتها علاقة حضور ووجود زمني مع أوّل وحدة لغوية يرسمها الشاعر.

ومن خلال الانضمام النصّي، نلاحظ أن الرمزية محمولة على لغة ( وعندما نقول لغة رمزية أي أنها تحمل الرموز)، فاللغة معبر أساسي في حمل المعاني والتي تختبئ من خلال المنظور الرمزي، ويقول تودوروف: ( إنّ المعاني المستثارة بصورة غير مباشرة، هي معاني كالمعاني الأخرى، إنها لاتختلف عن غيرها إلا من جهة طريقة استحضارها التي هي بالضبط ضمّ الحاضر إلى الغائب ” أو الموجود إلى غير الموجود ” ” ” ).

تأخذ العقلية الرمزية الطابع التصويري للمفردة، فمفردة غزال كما رسمها الشاعر العراقي قاسم وداي الربيعي، تعتبر التصور الذي اقتحم العقلية الكتابية، الغزال وحركته وكذلك شكله وهيئته، ومن خلال هذا المنظور فقد عالجت الرمزية التصور العقلي الذي انتمى إلى مفردة أو إلى جملة أو مقطع تعبيري له علاقة مباشرة مع المنظور الرمزي. نستنتج من خلال هذا التصور المنتج للمفردة أو للجملة بالأحرى؛ الصورة الشعرية التي تكمن في الرمز، فلحضور المفردة اعتبارات أخرى عندما أشار لها الشاعر وجعلها رمزا في العتبة الأولى، فالصورة هي الأصل المادي المدرك للحظة الأولى.

لماذا يغمرُ وجهي كُل هذا السراب

المعلق بكبد السماء

أشبه بغيمة عطشى تراودُ أودية عشقي

أمد يدي صوب النبع والأضواء الخافتة

وأعود كالأعمى أتعثر بخرائب أنفاسي

وكم حدثتهــا عن الموقد والصحراء

أرسل إليها نظراتي بما يشبه الأفق الأحمر

فتأتيني مثل الريح والطيور

فيخفت دمي وتغضب الشرايين..

 

من قصيدة: غزالٌ برّي وووو – قاسم وداي الربيعي

نواكب الكتابة والكتابة القولية وما رسمه الشاعر العراقي قاسم وداي الربيعي من خلال النصّ الذي من الممكن تقسيمه إلى عدة أقسام، ومنها من خلال الاسماء المرجعية التي أشار إليها ووظفها كرموز في منظوره النصّي، والثاني من خلال الوظيفة التركيبية والتي سماها الفلاسفة بـ ( الوظيفة المرجعية )، لست هنا لكي أنقل بعض المقالات التي تتلائم مع القول والقول الشعري لدى الشاعر، بقدر ما يكون المكون النصّي المعتمد كمرجعية أولية قابلة للتفكيك من خلال المنحى الرمزي.

لماذا يغمرُ وجهي كُل هذا السراب + المعلق بكبد السماء + أشبه بغيمة عطشى تراودُ أودية عشقي + أمد يدي صوب النبع والأضواء الخافتة + وأعود كالأعمى أتعثر بخرائب أنفاسي + وكم حدثتهــا عن الموقد والصحراء + أرسل إليها نظراتي بما يشبه الأفق الأحمر+ فتأتيني مثل الريح والطيور + فيخفت دمي وتغضب الشرايين..

إن خلق السياق الخاص للرمزية، يعد وجهة تأثيرية جديدة في النصّ الذي رسمه الشاعر قاسم وداي الربيعي وهو يقودنا من خلال المقطعية إلى قصدية المشهد الشعري، لذلك تبينت حالات التشبيه ضمن نظرية الاستعارة وهو يسعى إلى التركيبات الحيوية لتغذية النصّ.

فقد جذب من خلال المقطع بعض الأشياء الدائرة حوله، وجعلها رموزا بسياق جديد حسب حاجته الشعرية والذهاب بها بجمل مركبة تناسبت مع مشهده الشعري؛ فالمفردات: السراب، السماء، الغيمة، النبع، الأعمى ( حالة التشبيه )، الموقد والصحراء والأفق الأحمر، كلها تم توظيفها برموز دالة تبينت من خلالها المعاني القصدية، وكذلك فإن الشاعر كان مع حركة الأفعال التي ناسبت هذه المفردات وفي كلّ جملة أعلنت تواصلها وذلك بامتدادها وتعديها على جملة أخرى. فالفعل يغمر مثلا، من الأفعال الحركية، تعدى على جملته والجملة التي تلته، هكذا تواصل الشاعر بين التركيب للجمل وبين جذب الأشياء وتوظيفها في النصّ المنظور، ومن الممكن جدا أن نقيس الجمل الأخرى بالقياس نفسه.

أحبهـــا غزالة كأنها أنياب الشمع

تصافح خجلي مثل صلابة الصخر

تشتهيني لكنها قطعة حلوى لئيمة

تزورني مثل غرسة الإيقاع

تترك رائحتها في شقوق الجدار

وتصهل كالمهرِ أمام عتبة شيخوختي السمراء

فمتى تعلم أن فمي يتدلى

على مساحات الجنون كالضفيرة

يترقب مقدمهـــا ثم يهم بالفرار

 

من قصيدة: غزالٌ برّي وووو – قاسم وداي الربيعي

تبقى القيمة الرمزية التي تتمتع بوحدة ذاتية متعالية اللغة، أي أنها المشرفة الأولى على الصور الشعرية والتي تُبنى تحت سطوة الرمز، ومن الممكن جدا توظيف النسيج التصويري من خلال النسيج الرمزي، فالنسيج الرمزي يتمتع بالقوة والظهور وهو المكون الفعلي للفعل التأثيري في النصّ..

أحبهـــا غزالة كأنها أنياب الشمع + تصافح خجلي مثل صلابة الصخر + تشتهيني لكنها قطعة حلوى لئيمة + تزورني مثل غرسة الإيقاع + تترك رائحتها في شقوق الجدار + وتصهل كالمهرِ أمام عتبة شيخوختي السمراء + فمتى تعلم أن فمي يتدلى + على مساحات الجنون كالضفيرة + يترقب مقدمهـــا ثم يهم بالفرار

لسنا داخل الوصف عندما يسخر الشاعر قاسم وداي الربيعي مفردة الغزالة لتكون دلالة مركزية في المقطع المرسوم، فالإشارة إليها تمنحنا الرمز من خلالها، فالمعنى القصدي يختلف تماما، وفي التفكر الشعري تختلف ظروف المعاني عندما تقودنا إلى اللامألوف، فقد جمع الشاعر مابين المتباعدين ( المنظور الخارجي والمنظور الداخلي ) وعمل على إيجاد صيغ نسقية تنمو من داخل المقطع النصّي، لكي يتقارب البعد لديه، وتنسجم الحالة القصدية من خلال بعض المفردات الرمزية، وخصوصا أن الشاعر يميل إلى حالات التشبيه بشكل مكثف، ومنه التشبيه الظاهري والتشبيه الضمني؛ ولكن في جميع الأحوال إنّ النصّ يعتبر الجامع الأساسي لجميع الأدوات الفنية وهي التي تبيّن لنا حالات التأويل والمعاني.

..

جزء من مقالة لكتاب اللامحدود

يعتقد واحد على "الرمزية والمنظور التصوري في قصيدة: غزال بري للشاعر العراقي قاسم وداي الربيعي"
  1. أحبهـــا غزالة كأنها أنياب الشمع

    تصافح خجلي مثل صلابة الصخر

    تشتهيني لكنها قطعة حلوى لئيمة

    تزورني مثل غرسة الإيقاع

    تترك رائحتها في شقوق الجدار

    وتصهل كالمهرِ أمام عتبة شيخوختي السمراء

    فمتى تعلم أن فمي يتدلى

    على مساحات الجنون كالضفيرة

    يترقب مقدمهـــا ثم يهم بالفرار….كتير حلووووووو احسنت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *