قد يسأل سائل من ابناء هذا الجيل : ما هذا الحنين الذي يساوركم ازاء الماضي الذي تنعتونه بالزمن الجميل ؟ وما هي سماته ليكون زمنا جميلا حقا ؟

الواقع أنه سؤال له ما يبرره سيما وأن تغييرات هائلة اقتحمت المجتمع واردته يفقد توازنه فبات حائرا قلقا لا يدري الى أين تتجه خطواته .

ان الفاصل بين جيل الامس وجيل اليوم ليس فاصلا زمنيا فحسب بل هو هذا الاختلاف في الرؤية في كل جوانب الحياة .

ان المرء حينما يمضي به قطار العمر متجاوزا مرحلة الكهولة وغدا على أبواب الشيخوخة يجد نفسه مرغما ليقلب صفحات الماضي فيشعر بالحنين الى تلك الأيام الخوالي بما فبها طفولته وصباه وشبابه ..انها ايام لن تعود فتأخذه الحسرة .. أين يا ترى أصحابه وخلانه وأحبابه ؟ لقد تفرقت بهم السبل وطواهم الزمن تحت جناحيه .

ان جيل الأمس الذي عاصر حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي يرى نفسه حقا قد عاصر حقبة ذهبية متألقة بكل تفاصيلها ، لذا فهو يطلق عليها بالزمن الجميل لأن الأمور بعدها بدأت تسوء شيئا فشيئا حتى بدت له الحياة عقيمة مقارنة بالعهد الأول .

ان تلك الحقبة تميزت في سنواتها الأولى خاصة بالاستقرار السياسي الذي انعكست آثاره على سلوك الناس واخلاقهم وعلاقاتهم الاجتماعية وكأن كل فرد يحيا على الفطرة التي ولد عليها ببساطته وتواضعه ورقة شمائله .. انه الانسان الذي لم يلوث بصبغة حضارة مصطنعة مزيفة .

لم تكن حياته معقدة يسكن بيتا طينيا في زقاق تربطه علاقات جيرة مميزة ، فقير مال ولكنه غني نفس وتلك هي البضاعة الرابحة .

ومع ان الأمية لها ثقلها ولكن المدرسة أثبتت حضورها عاما بعد عام حتى بدأ العد التصاعدي لالتحاق التلاميذ بها ، وكان للمدرسة نظامها الذي لا تحيد عنه ..تربية وتعليم بكل معنى الكلمة حتى اذا أكمل التلميذ دراسته الابتدائية توفرت له معلومات زادت من وعيه ونضجه اما اذا اكمل الدراسة الثانوية فيكون جديرا بكلمة مثقف .

في هذه الحقبة ارتقى دور الأدب حتى اصبح الكتاب الصديق الذي لا غنى لنا عنه ..انه الكتاب الهادف الذي ترتقي به عقولنا ونستمتع به المتعة التي لا تعلوها متعة ،وما أكثر ما كانت جلساتنا نحن الصحاب يدور بيننا الحوار حول هذا الكتاب أو ذاك ..انه الذوق الأدبي بدلا من التسكع وراء عبث أو لهو لا طائل منه .

ومثل ما ارتقى الأدب في هذه الحقبة فان الفن قد ازدهر هو الآخر..فن اصيل له ايقاعاته ونغماته تلعب بأوتار القلب فتهزها هزا .

ان الدولة متى ما وفرت المناخ المناسب لأبنائها فان المواهب ستلعب دورها الحاسم في رفد المجتمع بطاقات تجدد حركتها الحضارية ..وهكذا كان الأمر ، وانه لشئ جميل أن تحصد ثمرة أتعابك وأن يكون ثمة تكريم لعملك الذي أتقنته .

عقدان من الزمن كانت لهما حلاوتهما على النفس حتى شعرنا معها بأن الحياة أرخت علينا نعيمها وبهجتها ..أية حياة هذه التي تلبي طموحاتنا وتحقق كل ما نصبو اليه وسط اجواء عائلية دافئة وصداقات أخوية متماسكة ..أجل هكذا كانت تمضي بنا سفينة الحياة دون منغصات ..حياة آمنة وديعة يظللها الحب والود والصفاء .

أليس هذا كله جوابا لكل سائل يسأل عن الزمن الجميل الذي احتوتنا أيامه !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *