يفقد سحرَه بالتدريج
هذا العشُّ الكونيُّ الأرحب!
أوَ كان جميلا قبلُ؟!
هل رتع في صفحته الحسنُ قديما؟!
ذاك سؤال مسموم يُجرثِمُ احتمالات الأجوبة
و يًخرّبُ أنظمة المنطق! و يُمهّد للضّحك بالدّمع!
لا تكفي الأشجار الواقفة في خضرتها الجليلة
أن تجعل من العالم سحريّا و ذا بعد رمزيّ مشحون.
لا تكفي الأنهار الراحلة في أمكنة الأرض
أن تخلق أنس العالم بالماء فحسب
وأن تمنح نشوة الترحال الحرّ الحالم
فوق تضاريس الآمكنة المصلوبة في العُرْي..
لا يكفي جبل بمفرده أن يُقيمَ الأرض المائرة غضَبا
و يشدّ توازنها إذا ما اشتدّ الهيجان و فار التنّور البشريّ..
لا يكفي قمر مكتمل أن يرسل للعشّاق ضياءَ الوله الفاتنَ
فيضمّدوا شغفاً أحمرَ ينزف في الظلمات!
لا تكفي بحيرة لامرتين أن تنتج حقّا ذكرى حيّةً
و تجدّد نبضَ الشّاعر بصفائه العذريّ
و تُحيي روحَ مناجاته ثانية بحُمّاها الأولى
بنفسِ مخاضات الوجد!
ذلك زمن مفقود ارتدّ رمادا في منفاخ الوقت المنحلّ!
لا يكفي بحرٌ أن يستوعب في أعماقه أشواقَ الأعماق
و أن يرصد مَدَّ الحزْن و سرّ الشّوق المتحرّكَ أبدا
نحو المطلق، و التّائقَ نحو الطّوفان..
لا يكفي طيرٌ يحْسو بجناحيْه فضاءً مملوءا بفساحته
أن يصنع درسا في الحريّة
لمخلوق مغلولِ الرّوح و مُنبتٍّ!..
لا يمكن للأعشاب المخضلّة بنقاوتها الأولى
و المحمومة بنار الخِصْب المتوهّج
أن توقظَ في الوعي الإنسانيّ مفاهيمَ البدء
و فلسفةَ الصفرةِ حينَ نهايات مجروحة..
لا يمكن لامرأة خضراء أن تُغدقَ نُسْغَ التّهيام
لنحيا عمراً آخر لا صنوَ له
في مقياس الأزمان الشاحبة العطشى..
لا تكفي قصيدة وزن أو نثر أو جنسٍ آخر مستخلص
أن تستمطرَ كلّ أقاصي المعنى
و أن تنسج أغنية الميلاد جميلا و نضيرا ..
يُمعن في شِقوته بالتّدريج العالمُ
و يخلعُ كلَّ ملامحه بأناة واثقة
و ينضو شهوتَهُ الأولى
أمام الخصيان..